كريتر عدن وتفاصيل الهزيمة الساحقة لجيش القائد البريطاني تريفليان..

في صباح ( 20) يونيو بدأ طلاب مدرسة الموسيقى ومدرسة أبناء الجيش بتجمعات في معسكر (ليك لاين)  ردا على الاحتفالات التي أقامها الضباط

خاص – صحيفة اليمن – طلال هزبر

كريتر عدن وتفاصيل الهزيمة الساحقة لجيش القائد البريطاني تريفليان..

 الإنجليز بعد هزيمة الجيوش العربية أمام جيش العدو الصهيوني في نكسة 67م  وتعبيراً عن رفض

قرارات سلطات الاحتلال البريطاني القاضية بتوقيف مجموعة من الضباط وإحالة البعض إلى التقاعد واستغلت قيادة الثورة تلك القرارات بحنكة ودهاء كبيرين ووظفتها ضد المستعمر  تطورت إلى أعمال عنف حيث تم إحراق بعض المباني في المعسكر, انتشر خبر الانتفاضة من داخل المعسكر «بطريقة متعمدة» إلى مدينة الشيخ عثمان, عندها خرجت الجماهير في مسيرة منظمة وحاشدة مما دفع القوات البريطانية إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى لوحداتها العسكرية وبقية أجهزة حكمها وفي حوالى الساعة التاسعة من ذلك اليوم الميمون وبينما كانت القوات البريطانية آتية من معسكر سنغافورة باتجاه معسكر (ليك لاين) في مدينة الشيخ عثمان اعترضها جنود الحرس الاتحادي المتمركزين في معسكر (تشامبيون لاين) وأطلقت عليها النيران مما أدى إلى مصرع (9)جنود بريطانيين وجرح (11) وإعطاب عدد من الآليات وفي المقابل استشهد اثنان من رجال المقاومة (الأمن ).

على إثر ذلك دفعت القوات البريطانية بتعزيزات جديدة وقامت بهجوم على معسكر النصر من كافة الاتجاهات فدارت معركة كبيرة تكبد فيها المحتل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والأنكى من ذلك خسارته الكبيرة المتمثلة بمن كان يعتمد عليهم ليس بانضمامهم إلى جانب الثوار بل قيامهم في مواجهته المباشرة وبانحيازهم التام إلى جانب الوطن.

توقف القتال ظهر ذلك اليوم، إلا أن التوتر انتقل إلى معظم مراكز ومعسكرات الجيش وأشدها توتراً معسكر (أرمد بوليس) (الشرطة المسلحة) في كريتر حيث قام الفدائيون في البوليس المسلح والمدني والفدائيون المدنيون... بإغلاق مدينة كريتر في وقت وجود لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق كانت تقيم في فندق السيفيو وحينها شعرت بريطانيا بالحرج فأرسلت عربات عليها 16 ضابطا وجنديا بريطانيا دخلت إلى المدينة فتم تصفيتهم جميعا عدا أحد الجرحى والذي بقي شاهدا يروي تفاصيل سيطرة الثوار على كريتر وتم إسقاط طائرتين في نفس اليوم وعند الشعور بالهزيمة وتمكن الجنود والضباط من الاستيلاء على مخازن الأسلحة والذخائر رغم الاحتياطات الكبيرة التي اتخذها المستعمر للحؤول دون ذلك ورغم ذلك التفوق الكبير للجيش البريطاني إلا أن الثوار أحكموا سيطرتهم على المدينة بشكل تام رغم استمرار القوات المحتلة بالقصف من كل الاتجاهات البرية والبحرية والجوية لمدينة الصمود كريتر عدن.

مع مغيب شمس أول أيام الملحمة أعلنت القوات البريطانية بأن قواتها خسرت (22)جندياً وضابطاً وعدداً من الجرحى مع ما عرف عنها من التكتم الدائم عن الخسائر ،وبنفس اليوم عقد مجلس العموم البريطاني اجتماعا طارئا لمناقشة ما يحدث في عدن وفيه أعلن (نائب وزير الخارجية البريطاني) بأن هذا اليوم يوم المأساة السوداء وأن الموقف خطير معترفا أن الخسائر البريطانية خارج مدينة عدن تزيد عن 12 جندياً وضابطاً ومدنياً واحداً وإصابة 29 آخرين من الجنود وهناك 22 جندياً وضابطاً مازالوا في عداد المفقودين أما خسائرهم في مدينة كريتر فلم تزل مجهولة.

في اليوم 21 يونيو خسرت الجبهة القومية قائد القطاع الفدائي الشهيد عبدالنبي مدرم وأربعة جرحى وكانت تعتقد القوات البريطانية أن اغتياله سيؤدي إلى إضعاف المقاومة إلا أن القتال اشتد وازداد ضراوة، على إثر فشل القوات البريطانية الموجودة في عدن في اقتحام المدينة لجأت إلى طلب التعزيزات حيث نقل جوا خلال 48 ساعة إلى عدن كتيبة مشاة خاصة وكتيبة مظلات المسماة بكتيبة الشياطين الحمر والتي سبق لها أن شاركت في القتال في جنوب اليمن المحتل في منطقة ردفان عام 1964م من المستعمرات البعيدة المجاورة ،وذلك بقصد السيطرة على الجبال المحيطة بمدينة عدن إلا أنها لاقت نفس المصير والفشل المحتوم، وبهذا فقدت بريطانيا العظمى هيبتها كدولة عظمى وبالتصريح والاعتراف العلني في أكثر من وسيلة إعلامية.

في سبيل استعادة هيبتها المفقودة قامت بريطانيا بتدريب قوة خاصة تسمى "الأرجيل" في منطقة "إداموت" البريطانية تدريباً قتالياً خاصاً وسريعا على منطقة تشبه بخصائصها الجغرافية مدينة كريتر. وبنقل هذه القوات البريطانية إلى عدن أصبح عدد القوات البريطانية المشتركة في القتال حتى يوم 29 يونيو 67م 12600 جندي وضابط بريطاني كقوات برية، كما قامت باستقدام قوات بحرية من مستعمراتها في أفريقيا لتعزيز قواتها البحرية لإحكام الحصار على المدينة واقتحامها فكانت هذه القوات هي الطلائع التي استطاعت أن تحقق نجاحاً نسبياً تمثل باختراق جزئي للمدينة بعد قصفها وحصارها، ولا شك ساعدها في تحقيق ذلك النجاح قطع الماء والكهرباء والمساعدات الإنسانية بما فيها الطبية من الوصول إلى سكان المدينة والتي شكلت ضغطاً نفسياً كبيراً على الثوار بقدر مساعدة تلك القوة على الاختراق واحتلال نصف المدينة خلال الفترة حتى 4 يوليو بعد أن تكبدت خسائر فادحة مستخدمة وسائلها الحربية الحديثة بقصف المدنيين العزل والأبرياء دون تفريق بين طفل وامرأة مما أنزل خسائر كبيرة بالمواطنين.

توصلت تلك القوة المدربة إلى النصف الجنوبي من المدينة متكبدة خسائر كبيرة وكانت تحسب للخسائر المحتملة ألف حساب وذلك في حالة دخولها المدينة وبعقلية المستفيد من الدروس التي تتلقنها على الواقع العملي مما جعلها تتردد من اقتحام المدينة عنوة كي لا تتكبد المزيد من الخسائر ناهيك عما سيتعرض له المواطنون الأبرياء من جراء الاقتحام وبمجرد ما لوح بالوساطة العقيد عبد الهادي شهاب قائد أمن مدينة كريتر والذي كان يحظى بثقة الثوار موصلاً شروطهم بوقف القتال والسماح بخروج من أراد منهم وعدم التعرض لهم وعدم معاقبة الجنود والضباط من الجيش والأمن الذين اشتركوا في صنع الملحمة! ولا شك فإن على الثوار تشكلت ضغوط إنسانية (مجمل الحالة الإنسانية الصعبة التي تكونت خلال هذه الفترة) وبغرض استمرار الملحمة واستثمار نتائج هذا النصر في الميدان السياسي والوطني والذي اتسع إلى معظم الساحة النضالية متمثلا باستجابة معظم جماهير مناطق الجنوب المحتل مشاركة بتحريرها وانضمام كثير من وحدات الجيش والأمن إلى صفوف الثورة فقد كان قبول القوات البريطانية وقيادتها وحكومتها بشروط الثوار نصراً مؤزراً.

بعد ثلاثة أيام من هذا الاتفاق وبالتحديد في 7 يوليو 1967م دخلت القوات البريطانية بقية أحياء عدن ولكنها كعادتها أخلَّت بالاتفاقية وقامت باعتقالات في صفوف المواطنين ممن يشكلون أرضاً وغطاء للمقاومين علماً أنه لم يخرج منهم (الفدائيون) إلا القيادات الشهيرة والمعروفة مثل سالم ربيع علي وفيصل عبد اللطيف.

واستمرت الملحمة واستمر النصر وفقدت حكومة الإتحاد شروط بقائها وبدأ العد العكسي لانهيارها بالكامل وفي المقابل تصاعدت العمليات الفدائية ضد المحتل ففي عدن وحدها وصل متوسط العمليات الفدائية ضد الاستعمار إلى 22 عملية في اليوم وخسائرها في الأرواح في اليوم أيضاً إلى ما يزيد على 12 جندياً بريطانياً وامتدت سيطرة الثورة إلى عدد من المناطق القريبة من كريتر عدن "فوهة بركان التحرر والاستقلال " التي وصل إليها أول جندي من جنود المحتل وغادرها آخر جندي من جنوده كما قال الشاعر الشعبي مسرور مبروك: "من دخل أرضنا بالغصب - يخرج بالصميل"

كان للأدب والشعر دوره في تخليد تفاصيل هذه الملحمة البطولية التي سطرها الفدائيون ضد المستعمر البريطاني على مدى 16 يوما في كريتر عدن وكانت بالفعل ملحمة الاستقلال والتحرر العسكري حيث خلد ووثق الشاعر والموسيقار الراحل محمد سعد عبد الله على أرجح الأقوال أحداث ووقائع تلك الملحمة البطولية بشكل دقيق ومفصل في قصيدة غنائية بعنوان"قائد الجيش البريطاني مسيكين ارتبش"، وقام بتلحينها وغناها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي ونظرا لروعة المحتوى والمضمون وطريقة السرد الشعري لتفاصيل الملحمة وتطور أحداثها ووقائعها تبرز أهمية نشر  نص القصيدة:

قائد الجيش البريطاني مسيكين ارتبش

يوم عشرين الأغر ضيّع صوابه

يوم جاه العلم بالهاتف إلى بيته غبش

زاغ عقله والعرق بلل ثيابه

شل بـابوره ولما داخل الجولة احتوش

ما قدر يوصل إلى خيمة صحابه

كيف با يوصل وصوت المدفع الرشاش رش

من جبل شمسان يصليهم عذابه

صاح في قوات جيشه قال قوموا يا حَوَشْ

بس ما حد منهم رد الإجابه

لا ولا واحد من العسكر تنحنح أو عطش

خوف لا ثوارنا تسمع جوابه

قام يتلوى كما الملدوغ ذي صابه حنش

يلعن اللي لا عدن ساقه وجابه

والعساكر كلهم من حط في حفرة جفش

وإن رفع رأسه وقع حصل حسابه

شافها شولى على غفله تسلل وامترش

في خطى سكته ولا واحد درى به

راح للوالي ولما قابل الوالي ارتعش

ما قدر ينطق ولا يبلع لعابه

بعد ساعه بعد ما جاب للوالي الطفش

بعدما الوالي عزم ينتف شنابه

قال باستغراب هذا الشعب من فين انتبش

والسلاح اللي معه من فين جابه

الفدائيون احتلوا المباني والعشش

كلما قاومتهم زادوا صلابه

جـيشك انت (يا تريفليان) حوش

والرصاص الحمر تصربهم صرابه

أنصحك لفلف شقاديفك وعفشك والبقش

روح لك لندن مع باقي العصابة.


طباعة  

مواضيع ذات صلة