الامام يحيى وتأسيس الدولة "الوعي بالتاريخ "

في عام 1918م تسلم الامام يحي حميد الدين مقاليد الحكم في اليمن ومن قبل ذلك كانت اليمن تحت هيمنة الحكم العثماني , الذي أمتد من عام 1872م الى عام 1918م وقد استمر حكمهم

خاص - صحيفة اليمن - عبدالرحمن مراد

الامام يحيى وتأسيس الدولة "الوعي بالتاريخ "

لليمن ما يقرب من 46 سنة , ويتحدث التاريخ عن عدم  استقرارهم فقد نازعتهم الهضبة المسكونة بروح الاستقلال السلطة الى أن تم الاعتراف بهم ومنحهم حكما ذاتيا على إثر اتفاقية دعان الشهيرة في كتب التاريخ عام 1911م , وقد أجبر الامام يحي حميد الدين بعد حروب متواصلة على اجبار الاتراك الاعتراف به كحاكم للمناطق الزيدية وتم منحه صلاحيات الجباية والعزل والتعيين في الاعمال وفق نصوص صلح دعان  .

في هذا الزمن لم تكن اليمن قد تشكلت فيها دولة بالمعنى المعاصر بل كانت صورة لكل أشكال المجتمع التاريخي , وكانت تتنازعها العصبيات القبلية , وكان الاستعمار في ذلك الزمن يفرض سيطرته على كل الوطن العربي وكانت الدولة العثمانية تعلن غروبها , وبدأ الاستعمار يرتب وضع العرب وفق ما تناثر من مرجعيات صادرة من قوى المستعمر , وتم فرض حدود وقيام دول كما كان يرغب المستعمر , كما أصبح الحال عليه , وكان العرب يدينون لذهب المستعمر بالولاء , ومن خلال ذلك الدعم تشكلت الدولة السعودية , وتشكلت دول الخليج العربي , وأصبح جنوب اليمن سلطنات يدعمها المستعمر , وتم طمس دولة الادريسي   في عسير .

تسلم الأمام يحي حميد الدين دولة مضطربة وتقليدية , تحاصرها انياب المستعمر وأطماعه من كل حدب وصوب , وتنازعه طموحات بعض لأئمة الزيدية في اليمن مثل يحي شيبان الذي دعا لنفسه من مسور حجه بمساندة قبيلة حاشد  , ويتحدث التاريخ عم  نشوب حرب المقاطرة , وحرب حاشد , وحرب الزرانيق , وحرب الادريسي , وانشغل الامام في لملمة شتات الحروب وانتشال اليمن من انياب الاطماع التي كانت تتربص بها من بريطانيا بشكل مباشر في الجنوب أو غير مباشر عن طريق أدواتها من أعراب نجد والخليج .

 

حركة حاشد

وقد حدثت هذه الحركة في عام 1337هجرية الموافق 1919م – وفق رواية البردوني في كتابه " اليمن الجمهوري " وتحدث عن روايتين في اسبابها والثابت وقوع الحدث بعد عام من تسلم الامام لزمام السلطة في صنعاء ولعل أقرب رواية لها هي التي ترى أن يحي شيبان أعلن نفسه إماما بحجة أو أراد أن يعلن بمعونة الادريسي ومن وراء الادريسي في ذلك الزمن بريطانيا وفق ما يرويه التاريخ , فقد كان التعاون بين الادريسي وبريطانيا وطيدا كما ان الادريسي كان يحتل تهامة كلها وحدث ذلك بمؤازرة مشيخة حاشد وشخيها مبخوت ابن ناصر .

 

انتفاضة المقاطرة

حدثت انتفاضة المقاطرة عام 1922م – وفق رواية البردوني في كتابه اليمن الجمهوري – وقد تم احداث انحراف في مسارها تضليلا وزيفا في كثير من الكتابات إلا أن العامل التاريخي يقول أن التنافر التاريخي بين الهضبة وبين ما كان يسمى باليمن الاسفل يبرر الانتفاضة كرفض لحكم الزيدية وإن تعددت المبررات بشان الانتفاضة فجذر الحركة لا يخرج عن ذلك التفسير بدليل أن حكام المقاطرة من شيوخ آل نعمان كانوا قد طلبوا من المندوب السامي البريطاني بعدن الانضمام الى المحميات الست , وثمة رواية ترى أن عبد الوهاب نعمان كان برتبة بيه وقد وعده الاتراك بترقيته الر رتبة باشا وكان متضررا من سلطة الامام التي حدت من طموحه وغاياته ولا يمكن أن نغفل يد بريطانيا من تحريك تلك الانتفاضة فهي صاحبة المصلحة من عدم استقرار دولة الامام يحي في صنعاء.

 

حركة الزرانيق

حدثت هذه الحرب عام 1926م وهي حرب ضروس كما جاء في كتب التاريخ وكما تدل عليها اشعار الامام أحمد يحي حميد الدين , وقيل أن  من أسبابها ردع الامام يحي عن التفكير في التحرك في تحرير الجنوب الخاضع لسيطرة بريطانيا وقد ألهت بريطانيا الامام بتلك الحرب وسقطت على اثرها الضالع وقد كانت تحت سلطة الامام يحي ونائبه فيها محمد الشامي والد الشاعر والمؤرخ والكاتب المعروف أحمد الشامي صاحب رياح التغيير وغيرها من الكتب في الادب وفي التاريخ .

يقول البردوني " ان حركة الزرانيق كأي حركة قبلية أشد من يضعف وأغلب الذين تكسرهن الغلبة , فقد أذعن الزرانيق  الين اذعان بعد ـن أطبق عليهم الحصار , وتغلغلت في كل نواحي منطقتهم الجيوش التي داهمتهم من ثلاث جهات فقتلت واسرت واحتلت كل المراكز الحربية واستقبل سجن حجه (110) من الاسرى , غير سجناء بيت الفقيه وزبيد والحديدة , ومهما انتهت الحملة بالنصر فلم يكن ذلك الشوط سهلاً , وإنما كان أعتى معركة خاضها الحكم الامامي بعد معركة (المقاطره) حتى أن( أحمد) الذي أراد ان يرتكز سياسياً على غلبة أشرس المحاربين (الزرانيق ) نفت أمر شكوى من مرارة هذه المعركة , وبالأخص معركة (الجاح) كما تفضح قصيدته التي مطلعها

صاح أن الجاح قد أضنى فؤادي

                        وابتلى جفني بألوان السهاد

 

فهل كان هذا التمرد وطنياً ثورياً ؟

قد تشكل الحركات الفوضوية أرومة الثورة الوطنية , لأنها تصاعد حرارة الحيوية في الشعب , حتى ينتقل من التحرك الأني العشائري إلى الاندفاع الشعبي لتحقيق الغايات العليا للوطن , باعتبار الفوضى الدموية تؤدي إلى العكس وهو الانسجام عن طريق أبداع واقع يمكن التصالح معه .. اما حركة الزرانيق بآنيتها واقتصارها على العشيرة , فلا تتصف بالوطنية العامة , كما لايتصف اخضاعها ايضاً لان ذلك الاخضاع كان لطاعة فرد لايمثل مصلحة الغالبية .. لهذا ادى اندلاع الحركة الزرانيقيه واخمادها إلى نتائج عكسية برغم ان قمع الزرانيق أثر على القطاعات الشعبية في اكثر من منطقة, لكن اخضاع الزرانيق بالقوى الامامية التقليدية من مناطقها المعينة , قد اثار ماتسمى بالحس التهامي الجبلي الذي لاقى تغذية داخلية وخارجية , وظل يتهامس من مطلع الثلاثينات إلى ثورة سبتمبر 62 , وهذا ينتمي غلى اصل الحركة وفعل قمعها , فلئن التمرد غير وطني والقمع غير وطني , تمخضاً عم نتائج طائفية هي ابعد عن مصالح الوطن وعن ارادة جموع المواطن اليمني .

 

الصراع مع الأدراسة  

تقول المصادر أنه في عام 1919م حاول الامام يحي التوسع جنوبا وكاد يقترب من عدن فقصفه الانجليز بالقنابل واضطر جيشه للتراجع , وفي المقابل أسرع الانجليز نحو الساحل التهامي وفرضوا سيطرتهم على الحديدة , وفي عام 1920م سلموها لحليفهم اإدريسي في صبيا , فكافأوا صديقا بمعاقبة عدو , وأخذ الانجليز بالتوسع فضموا المشيخات المتعددة المحيطة بعدن لحمايتها وقيل أن ذلك كان أجراء احترازيا لمنع الأئمة الزيدية من اقتحام عدن أكثر من كونها رغبة منهم بضم مزيد من الجغرافيا .

في عام 1926م هاجم الامام يحي بجيش جرار صبيا وحاصر الإدريسي واقتحم جيش الامام جيزان ونجران , وعلى إثر ذلك عرض الإدريسي على الأمام يحي  الاتحاد ولإنهاء العمل شريطة اعتراف الأمام به وبأسرته حكاما على عسير فرفض الامام يحي العرض .

بين عامي 1926م و1928م توجه جيش الامام جنوبا فقصفه الانجليز بالطائرات والحقوه خسائر كبيره , ثم توجه الشيخ علي ناصر القردعي المرادي بقوة قبلية من مراد لتحير شبوة فقصفته الطائرات الانجليزية واخبروه أن شبوة ليست من اليمن وفق اتفاق الاتراك في ترسيم الحدود عام 1914م .

اعترفت ايطاليا بالامام يحي ملكا على اليمن فترك ذلك ظلالا قاتما على بريطانيا , ولذلك اوعزت عام 1927 م الى حليفها عبد العزيز آل سعود أن يرث الإدريسي فتحرك وظل التوتر قائما بين الامام يحي وعبد العزيز آل سعود المدعوم من بريطانيا الى تمت اتفاقية الطائف عام 1934م .

وظل حكم الامام يحي من عام 1918م الى عام 1934م غير مستقر بسبب بريطانيا التي تعاملت معه بخوف المتوجس الذي سوف يضر بمصالحها في الجنوب ولذلك ألبت عليه القبائل والطامحين للحكم ودعمت الكثير في زعزعة أمن واستقرار الدولة الوليدة.

عام 1936م أرسل الامام أول بعثة الى العراق لتعلم نظم الجيش الحديث وكان قد اتخذ سياسة انعزالية خوف اطماع المستعمر لشدة ما لاقاه في السنين الخوالي التي مرت من حكمه ثم أرسل بعثة أخرى الى الأزهر على رأسها الزبيري واحمد محمد نعمان حين عادوا الى اليمن كانوا نواة تأسيس خلايا الاخوان في اليمن , وبدأت مرحلة جديدة من المعارضة بداية بالجمعية اليمانية الكبرى التي كانت تعارض حكم الامام يحي وانتهاء بالاتحاد اليمني الذي تشكل بين أحضان المستعمر بعدن ,واصدر صحيفة صوت اليمن .

بلغ نشاط الاخوان ذروته باغتيال الامام يحي حميد الدين بتدبير محكم من جماعة الاخوان عام 1948م .

 

أهم منجزات الامام يحيى

لم تستقر دولة الامام يحي ولكنها استطاعت تأسيس نواة دولة وطنية حرة ومستقلة ويمكن ايجاز أهم منجزاتها في التالي :

- اعتماد شعار الدولة .

- اعتماد سلام ملكي عام 1927م .

- تأسيس "الجيش المظفر" في ديسمبر 1918م على يد عسكريين من الاتراك لم يغادروا اليمن .

- في عام 1937م  تم تشكيل الجيش الدفاعي وتم ارسال بعثة للعراق ومن ضمنها عبدالله  السلال .

- انشاء مكتبة الجامع الكبير بصنعاء عام 1936م وجمع لها المخطوطات من كل اليمن .

               

الحالة الاجتماعية في زمن الأمام يحيى

كانت اليمن في فترة الامام يحي (1918م -1948م) امتدادا طبعيا لماضيها الذي يشبه الزمن الأول لها والضارب في العمق التاريخي , فلم يتغير شيء يمكن التعويل عليه , فالقبيلة كانت تنكفئ على ذاتها وتمتد امتدادا طبيعيا في أعرافها وتقاليدها , وعلاقات الانتاج كانت بنفس صورتها القديمة , وأدوات الانتاج أيضا بنفس صورتها القديمة , وكل صور الماضي وتكوينه الثقافي كان مجسدا في تلك الفترة , فهي خلاصة أزمنة ونتاج حروب متوالية .

ظل الاتراك يحكمون اليمن ما يقرب من 46عاما , ظل وجودهم في اليمن وجودا غير متناغم ولم يكن لهم من أثر يذكر إلا في المدن وكان تأثيرا سطحيا , فقد ظلت القبيلة اليمنية منغلقة على ذاتها , كما أن الاتراك  لم يعملوا على تحديث البناءات ولا علاقات الانتاج وكانت سطلتهم تتسم بالفساد ولم يحدث التاريخ عن استحداث مصانع ولا حركة تجارية مزدهرة ولا تعليم ولا منشاءات صحية , وثمة عوامل تفرض ذلك لعل الصراع الدولي والصراع المحلي سببا مباشرا في ذلك الركود , الذي لم يتجاوز الجبايات من ضرائب وزكاة .

وحين حكم الامام يحي ورث واقعا بائسا تركه الاتراك من ورائهم فكان امتدادا له , وقد شغلته الحروب والانقسامات عن تطويره وتحديثه , وحين بدأ يرسل البعثات بدءا من عام 1936م عادوا وقد أصبحوا أعداء للمرحلة فقد كان هاجس التطوير عندهم هو نفس هاجس الخوف منهم عند السلطة , في ظل ما كانت تشهده المنطقة من أطماع المستعمر .

ظلت البناءات الاجتماعية تراوح مكانها وظلت البناءات الثقافية تراوح مكانها , وكل فترة تراوح مكانها فهي تعزز عوامل الثورة عليها , وحين يمتلك النظام امكانية البقاء لا يزول , لأنه يقاوم الزوال بتجدده وبتلاحم الجماهير حوله , ولا يزول إلا من كان يحمل عوامل الفناء في ثبوته وجموده من الحركة , وكذلك كان زمن الامام يحي فقد مال الى الثبوت فحمل امكانية زواله بالثورة عليه .


طباعة  

مواضيع ذات صلة