بين مأزق الرؤية الاحتلالية واستحقاقات اللحظة التاريخية: مؤامرات أدوات التحرك وفقاً لإملاءات المحرك
ما من حقبة احتلالية عبر التاريخ إلا وكان أحد ركائزها الأساسية التي تعتمدها القوى الغازية الزعامات والتشكيلات المسلحة الداخلية التي تحاول إيهام الناس بأنها جاءت نتاج مراحل نضالية تحمل هم شعوب وتتحمل أعباء صناعة تحولات سياسية وعسكرية في هذا البلد أو ذاك لكنهم جميعا لا يستطيعون الوصول إلى الحد الذي تقر فيه هذه الشعوب بأحقيتهم في تبني قضاياها وجدارتهم في حمل همومها والنهوض ببلدانهم .. تفاصيل في السياق التالي :

تقرير: وسيم عبدالله حليف
خلال هدنة اللا سلم واللا حرب ونتيجة لإنشغال صنعاء بمعركة دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية تحولت كيانات ومكونات الارتزاق إلى قوى مسيطرة في مناطق جغرافية محددة بفعل الدعم والتسهيلات التي توفرها لهم القوى الخارجية المحتلة التي صنعتهم والتي تمدهم بالمال والسلاح سعياً منها لتوظيفهم عند الحاجة وحسب ما تستدعيه مصالحها في أي اتجاه كان حتى لو كان ذلك على حساب الأوطان والشعوب ومصالحها وهي كذلك في كل الأحوال ونحن أمام تجارب عديدة تعيشها وعاشتها دول عديدة في المنطقة والعالم.
الإمارات والتجربة اليمنية
منذ أن أقحمت الإمارات العربية المتحدة نفسها في تحالف عسكري عدواني شن على مدى حوالى عشرة أعوام غارات جوية على اليمن وقاد جبهات برية عديدة وواسعة في محافظة يمنية عدة ، عملت في ذات الوقت أو في وقت مبكر من زمن هذه العملية التي أسموها (عاصفة الحزم) على مسار آخر يدعم انفرادها بمطامع احتلالية بعيداً عن الهدف العام الذي تشاركها فيه السعودية وهو إسقاط اليمن من جديد في حقبة حكم جديدة تدار فيها صنعاء من الرياض وأبو ظبي .
هذا المسار الإماراتي تمثل في تأسيس كيانات مسلحة ومكونات سياسية ذات نزعة مناطقية كما في حالة ( المجلس الانتقالي ) ورجعية تنشد العودة في حالة أخرى ( نموذج الساحل الغربي ) وزاد اهتمامها بكل هؤلاء مع إدراكها أن ما سمي عاصفة الحزم قد ظلت طريقها وتاهت بعد أن أثبتت صنعاء قوة وقدرة على البقاء والاستمرارية في المواجهة ، ثم أضافت أبو ظبي لاحقاً ما أسمته نخبا وأحزمة أمنية في كل من : أبين وحضرموت وشبوة جميعها كاملة التمويل والولاء الإماراتي.
الانتقالي والزُبيدي كنموذج
إذا ما تحدثنا عن عيدروس الزُبيدي وما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي (أحد أذرع الإمارات في اليمن ) فالمتفق عليه وما لا شك فيه هو أن هذا المجلس وقيادته صناعة إماراتية من الألف إلى الياء ومثلما كان التأسيس والنشأة على ارتباط كامل بحاجة أبوظبي لتشكيل أذرع في اليمن فبالتأكيد سيكون التوجه والسياسات والتحركات هي الأخرى مرتبطة بمصالح الدولة التي تجيد فن صناعة الوكلاء في كل مناطق النزاع العربية على الأقل.
ما يجب أن يتصدر حديثنا هنا هو الضجيج العالي الذي سمعناه مؤخراً حول الثقة الزائدة التي ظهر بها ما يسمى رئيس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي وانجرار البعض نحو التطبيل للرجل كشخصية تستطيع وعن جدارة الذهاب بالمحافظات اليمنية الجنوبية بعيداً نحو التنمية والتطور والبناء وإن كان البعض قد تناول (ترند) الزبيدي على سبيل السخرية والتندر خصوصاً بعد حديث الرجل خلال ظهوره التلفزيوني ذاك عن وجود رغبة لدى أشخاص في تعز ومأرب للانضمام إلى دولة الجنوب العربي القادمة التي مر على حديثهم عنها ووصفهم لها بالقادمة عشرات السنين دون أن نراها واقعاً على الأرض.
التحرك وفق تحرك مصالح المحرك
علينا أن ندرك أن مصالح الإمارات وكل القوى الحالمة في الحصول على نفوذ من أي نوع كان في بلدان أخرى تتغير من حين لآخر وعليه ستتغير طريقة تحريك وكلاء الداخل الذين جرت العادة أن يتحركون تارة في هذا الاتجاه وأخرى في اتجاهات مختلفة تماماً وفق ما ذكرناه .. ومن هنا فالجزم بكون الزُبيدي لا يرقى إلى مستوى رجل المرحلة الذي يمكنه الوصول بالجنوب إلى مرحلة الدولة المستقلة أمر مفرغ منه ولا جدال فيه وإن وصل الحال بالجنوب إلى أن يتحول إلى دولة - رغم عدم توفر مؤشرات تؤكد ذلك - فإن ذلك سيأتي برغبة احتلالية للإمارات شريطة أن تكون مسنودة برغبة أخرى لقوى النفوذ والهيمنة العالمية كلًّ لأهداف في نفسه كأن يكون للأمريكان على سبيل المثال هدف تقسيم اليمن للنيل منه والحد من اتساع نفوذه وقوته في المنطقة بعد أن وصلت صنعاء إلى ما وصلت إليه من الندية والمواجهة ونجاحها في فرض واقع عسكري على الجميع وقد رأوا ذلك خلال المواجهة المباشرة مع الأساطيل الأمريكية في المنطقة وتعثر الأمريكان في إرغام صنعاء على الرضوخ لإراداتهم والتي منها الكف عن عملياتها الإسنادية لـ غزة التي استمرت حتى اليوم الأول لسريان وقف إطلاق النار الهش بين الكيان الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية ليبقى الزُبيدي وجميع وكلاء الخارج في الداخل اليمني مجرد أوراق يلعبون بها كيف يشاؤون بعيدا عن الهوجلة الإعلامية لتضخيم هذا أو ذاك كما لو أنهم بناة أوطان بالفعل.
الإمارات وتجربة السودان
منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي كان بالمناسبة وخلال أعوامه الأخير في السلطة أداة للرياض وأبو ظبي وآخر ما فعله إرضاء لهم إقحام الجيش السوداني في حرب اليمن التي لا ناقة له فيها ولا جمل وإلى الوقت الذي أطيح به فيه من السلطة كان ما يزال يرسل مزيدا من الجنود إلى محرقة اليمن التي قضت على أعداد كبيرة منهم .. لكن اللافت أن ذلك لم يشفع له لتحافظ كل من السعودية والإمارات على بقائه في الكرسي وكان واضحاً جداً التواطئ الكبير لكلي البلدين وخذلانهما له .. لكن الإمارات كانت كذلك السباقة في صناعة أذرع جديدة في السودان الجديد تمثلت في قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو المسمى إعلامياً " حميدتي " كوكيل حصري لسياسات أبو ظبي الاحتلالية الطامحة في السودان وبعد الإنقسام العسكري في ذاك البلد اتضح تواليا مدى توغل أبو ظبي في الملف السوداني ومدى تورطها في الحرب التي قتلت وشردت مئات الآلاف من مواطني البلد المنكوب بالحروب المتعاقبة منذ عقود وكان للتدخل الإماراتي ودعمه اللوجستي لحميدتي الثأثير الأبرز في إطالة أمد هذه الحرب وارتفاع تكلفتها البشرية ومن مقدرات البلاد واتهمت الخرطوم الإمارات بشكل علني ورسمي بالتورط في هذه الحرب وتبادل الطرفان الاتهمات بشكل رسمي كذلك.
الخطر القائم رغم غياب المشروع
بتقيد الوكلاء برغبات وأهواء المحرك والممول يغيب المشروع الوطني بكل تأكيد مهما حاول البعض إضفاء مشروعية وطنية على بعض الكيانات التي يتم تمويلها وتحريكها بشكل رسمي من قبل قوى أجنبية ودول معادية حتى ما كان من قبيل الصدفة منسجما مع أي توجه وطني عام لكن لو رأينا كيف تم التعامل الإماراتي على سبيل المثال مع القوات التي تحركت صوب مدينة الحديدة وكيف أخضعتها لكل ما تقتضيه المصلحة الإماراتية سلماً وحرباً فحين كان من أهم أهداف ما سمي تحالف عاصفة الحزم إسقاط مدينة الحديدة في فترة من الفترات عملت كل تلك القوات متعددة التوجهات لكنها موحدة الطاعة والولاء والتمويل بكل جد وقدمت كل التضحيات من أجل الوصول لذلك الهدف ورفعت جميعها لافتة الوطن كما لو أنها منخرطة بالكلية في مشروع وطني جامع تقاتل من أجله لكن عندما تزايد الخطر والتهديد الذي مثلته صنعاء وقواتها الصاروخية والمسيرة على الإمارات ومصالحها وما علمناه وما لم نعلمه من مهادنات مباشرة أو غير مباشرة بين صنعاء وأبو ظبي أصبحت العودة إلى المخاء ولحج وترك مدينة الحديدة وشأنها من أهم الواجبات الوطنية بالنسبة لكل تلك التشكيلات المسلحة ومن هنا يتجلى مدى تحكم المحرك المتمثل هنا في الإمارات فيمن يتم تحريكه والمتمثل هنا في كل الخليط غير المتجانس أساساً الذي يقاتل تحت رايتها وإن ادعى هذا الوفاء للوطن الكبير المسمى اليمن ( طارق صالح ) أو ادعى ذاك الوفاء للوطن الموعود بميلاده في أجزاء من هذا اليمن الكبير ( كل من التشكيلات المرتبطة بأبو ظبي جنوب البلاد) .. لكن مع كل ذلك يظل خطر هذه المشاريع المليشاوية المرتبطة بالقوى الغازية والطامحة كبير وغير عادي حين يتحولون إلى إشكالية كبرى تعرقل أي جهود من شأنها إنهاء أي أزمات في أي بلد كان بالسلم أو بالحرب سواء في اليمن أو في السودان أو في غيرهما.
المشروع الإماراتي في ليبيا
بعد الإطاحة بمعمر القذافي وبعد مخاض عسير كادت ليبيا أن تتجاوز الصعوبات وتمضي إلى الأمام في سلام ووئام وفجأة ظهر المشروع الإماراتي في ليبيا وتحت عباءة ظاهرها الوطن وباطنها المعاناة الطويلة والأزمات التي لا تنتهي ، تمثل هذا المشروع في اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتزعمه ما سمي الجيش الوطني الليبي بدعم وتمويل إماراتي أصبح لاحقا ومع مرور الأيام العقبة الأصعب في طريق المصالحة والوطنية وإنهاء الأزمات في ليبيا البلد الغني بالنفط لكنه ما يزال يرزح تحت وطأة حروب وأزمات وانقسام داخلي كبير .. وهكذا يستمر المشروع الإماراتي المدمر في التنقل من بلد عربي لآخر للإطاحة بالسلام وأحلام الشعوب في العيش باستقرار ووئام.
التدمير الناعم للبلدان
في إطار مساعيها للحصول على نفوذ متعدد الأوجه في العديد من البلدان في المنطقة كطامحة لبناء أمجاد لطالما حلم بها بعض الساسة والنخب فيها لا تقتصر صناعة الوكلاء بالنسبة لـ أبو ظبي على مجموعات وتشكيلات عسكرية وسياسية لا تنتمي إلى الدولة ومؤسساتها فقط لكنها تعمل على صناعة أنظمة وزعماء تابعين كذلك ، أن من خلال دعم إيصالهم إلى السلطة بانقلابات أو نحو ذلك أو من خلال اختراق هذه الأنظمة ودعم تيارات بداخلها تكون هي المسيطرة على مفاصل الأمور في هذا البلد أو ذاك أو حتى زعماء تلك البلدان أنفسهم ويطال التدمير الإماراتي لهذه البلدان مؤسسات الدولة بطريقة ناعمة كالإيعاز لهذه الأنظمة والقوى باعتماد سياسات من شأنها تمكين أبو ظبي من استغلال مواقف ومواقع هذه البلدان وتوظيفها لصالح تمدد نفوذ أبو ظبي .. تدمير الحياة السياسية وحق الحكم عبر الانتخابات النزيهه ودفع هذه الأنظمة إلى تبني سياسات قمعية تجاه الحركات والأحزاب والصحافة لضمان ألا يعترض أحد أو يكشف مدى توغل الدويلة التي تحلم بالتحول إلى امبراطورية لكنها لا تمتلك من مقومات ذلك شيئا سوى المال الذي لا يفي بالغرض كامل .
تشابه وسباق (سعوإماراتي)
تتشابه أبو ظبي مع الرياض في سياسات السعي للسيطرة والنفوذ في البلدان الأخرى التي لها عندهما عوزاً وحاجة من المال مقابل مزايا احتلالية في تلك البلدان لكن مصالحهما تتصادم في بعض هذه البلدان ويظهر التباين وعدم رضا إحداهما عما تفعله الأخرى وإن لم يظهر الأمر إلى السطح بشكل رسمي سوى أن تتخذ الرياض على سبيل المثال موقف صارم من خطوات أقدم عليها طرف يدين بالولاء المطلق للإمارات وبما لا يتناسب وسياسة الرياض تجاه هذا البلد كما هو الحال في اليمن وامتعاض الرياض أكثر من مرة من تحركات عسكرية أو سياسية أقدم عليها الانتقالي الأداة الإماراتية المعروفة في عدن وبعض محافظات الجنوب وإن لم يصل امتعاضها هذا في كل مرة إلى مرحلة أن تُنصف به الأطراف الذين غضبت من أجلهم كحكومات معين عبدالملك وبحاح وغيرهما ، كذلك الحال لربما في السودان إذ تدعم الإمارات بشكل صريح قوات الدعم السريع التي تصنف كمتمردة بينما تميل السعودية لربما إلى طرف البرهان وحكومة الخرطوم لكنهما تتفقان في مصر وليبيا ولبنان وسوريا لربما .. لكن تبقى الإمارات الأكثر لهثاً وراء حلم التحول إلى امبراطورية استعمارية لكنها فشلت في تحسين صورتها لدى السواد الأعظم من الناس ممن يرون فيها الشر المطلق الذي ينبغي الابتعاد عنه وإبعاده عنهم ليعم السلام.





