222 عاماً من الأطماع الأمريكية في الموانئ والجزر اليمنية –3--

شكلت الفترة ما بعد الحرب العالمية الأولى 1920م حتي عام 1934م ظهور المصالح الأمريكية على أرض الواقع في اليمن من خلال مشاريع انشائية كبناء الجسور وشق طرقات وادخال بذور ومواد زراعية

خاص - صحيفة اليمن - علي الشراعي

222 عاماً من الأطماع الأمريكية في الموانئ والجزر اليمنية –3--

ومن ثم محاولاتهم المتكررة مع حكومة صنعاء لعقد معاهدات تجارية وأخرى تعدينية كمقدمة لتوغل الأمريكي في اليمن فكانت جزر فرسان وشبة جزيرة الصليف أولى محطات الأطماع الأمريكية  في اليمن خلال الفترة (1926- 1934م ) ومحاولة الاستثمار في مجال التنقيب عن النفط  في تلك الجزر ومحاولة عقد معاهدة تجارية لتصدير الكاز الأمريكي إلى اليمن.

الأرض المحروقة

الدولة التي تريد أن تنجو من جرائم أمريكا وهيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لابد ان يتوافر فيها عدة شروط اهمها أن يكون موقعها الجغرافي غير مميز وان تطيع سياسات أمريكا طاعة عمياء ولا تمتلك أي وسائل مقاومة والأهم من ذلك أن تكون دولة فقيرة معدمة لا تمتلك أية ثروة طبيعة كل تلك الصفات لم تنطبق على دولة اليابان في مواجهتها لأمريكا خلال الحرب العالمية الثانية فقد أمعنت أمريكا في قصف طوكيو بالقنابل وأسفر القصف الأمريكي المتوالي عن مقتل 670 ألف ياباني ولم يتوقف المؤرخون طويلا أمام ما حدث في 10 مارس 1945م فقد أغارت ثلاثمائة من قاذفات القنابل الأمريكية على مدينة طوكيو بعد منتصف الليل وأمطرت العاصمة اليابانية بالقنابل لمدة ثلاث ساعات متواصلة  وقد قدرت بعض المصادر عدد الضحايا  بحوالي 130 ألف قتيل و 300 ألف مصاب  بالإضافة  إلى مليون و250 ألف فروا إلى العراء بلا مأوى . ويصف أحد المراسلين الحربيين الذي شاهد معظم الدمار في معظم المدن اليابانية التي تعرضت للقصف أثناء الحرب العالمية الثانية قائلا : ( شاهدت معظم المدن التي دمرتها المدافع والغارات الجوية حتى أصبحت خرائب وأكواما لا حياة  فيها  لكن الآثار الوحشية خلفها حريق طوكيو  الضخم  تفوق ما أحدثته القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي ) أما أحد الطيارين الأمريكيين العائدين من الغارة فقد استرجع ما شاهده  ووصفه قائلا :( أن الأرض كانت تحترق لم أر قط مثل ذلك الحريق المهول لقد تأججت النار في كل مكان من هذه البقعة  شاهدت المكان  من تحتي وكأن منجم فحم عملاق يحترق ) وحينما أسقطت القنبلة الذرية الأولي في 6 اغسطس 1945م  على مدينة هيروشيما وأسفرت عن مقتل 119 ألف قتيل  و80 ألف جريح في تسع ثوان  وعندما استمع الرئيس الأمريكي هاري ترومان لخبر إسقاط قنبلة هيروشيما صرح لبعض أصدقائه فيما بأن يوم هيروشيما  هو أعظم أيام التاريخ ! وفيما كانت ضحايا القنبلة الذرية الثانية التي اسقطها الأمريكان في 9 اغسطس من نفس العام على مدينة ناجازاكي ما يقارب 74 ألف قتيل و75 ألف جريح خلافا عن التشوهات الخلقية لعشرات الألوف على امتداد الأجيال - فقد احتفلت اليابان بظهور أول زهرة في تربة مدينة هيروشيما في عام 1984م - ولقد احترق كل من كان بالقرب من مركز الانفجار حتى مسافة ميل واحد  وتناثرت الجثث في الطرقات في حالة متفحمة  كما اختفت جثث أخرى بفعل التبخر الناجم عن الحرارة الشديدة وفي هيروشيما التي أصابها الضرر بشكل أقوي تحولت السيارات والعربات إلى هياكل سوداء بداخلها بقايا بشرية متفحمة  اما المباني فقد سوت بالأرض تماما  وتحول كل شيء إلى ركام في لحظات هذه صورة ثالثة من صور الجرائم الأمريكية بحق الإنسانية  حتى أن أحدهم قال : لا يحق لأمريكا أن تتحدث عن الإنسانية وحقوق الإنسان مطلقا.

 

الاستثمار في النفط

ان توسع الإمام في مناطق الساحل خلال الأعوام 1919 - 1928م قد قلص النشاط التجاري البريطاني واعطى الفرصة لنشاطات تجارية لقوى أخرى منافسة منها النشاط التجاري للولايات المتحدة الأمريكية فقد تابعت القنصلية الأمريكية في عدن موضوع الاستثمارات النفطية الأجنبية في اليمن وقد لاحظت تزايد النشاط البريطاني للحصول على امتيازات تنقيب واستخراج النفط في اليمن ومنذ العام 1929م تزايد الاهتمام الأمريكي بهذا الموضوع خاصة بعد زيارة الكومندار البريطاني في مارس 1929م لليمن فقد اجرى مباحثات مع الإمام يحيى  ولاحظت القنصلية الأمريكية ان الكومندار كان يسعى بعد الحرب العالمية الأولي للحصول على امتياز النفط في جزر فرسان  وفيما أشار تقرير مهندس التعدين الأمريكي توتشيل إلى امكانية وجود النفط في اليمن وخاصة في منطقة شبة جزيرة الصليف وكان ( كوني كولبرغ ) عندما زار الغمام يحيى عام 1926م قد هدف إلى الحصول على حق حصري (امتياز ) لبيع الكاز الأمريكي لليمن باعتبار الكاز هو أول احتياج لأي شركة أمريكية تهتم بعمليات جدية في اليمن وقد قدرت عائدات الاحتكار السنوية لتجارة الكاز في اليمن بحجم مليون جالون ب 100 ألف دولار  فيما قدرت ان العائدات ستصل غلى 150 ألف دولار كبداية وان احتكار وبيع الكاز في اليمن سيعطى فوائد اخرى بعد تغطية النفقات لتمويل وادارات مشاريع اخري . وتشير تقارير القنصلية الأمريكية في عدن أن الامتياز سيفتح الطريق أمام التجارة الأمريكية في منطقة البحر الأحمر وسيساعد ماليا في إعادة بناء تجارة النفط الأمريكية التي انخفضت بعد الحرب العالمية الأولي من أكثر من 90% إلى لا شيء تقريبا وأصبح هذا المطلب جديا وهدفا مستقبليا من قبل شركة (ستاندرد أويل كومباني) في نيويورك وبومبي.

 

مشاريع إنشائية

في ابريل عام 1932م تم الانتهاء من جسر حديدي يربط ما بين الحديدة وصنعاء عبر محافظة حجة بطول 371 متر وكان هذا الجسر هدية من الثري الأمريكي تشارلز كرين الذي كان قد زار اليمن بصفة شخصية عامي 1926-1927م وقد أقيم الجسر على وادى لعا لمنع السيول من قطع الطريق بين الحديدة وصنعاء كذلك من المشاريع الأمريكية في تلك الفترة تنفيذ عدة طرق منها طريق معبر التي تم تجهيزها بحسب مخططات ومسوحات قام بها مهندسون أمريكيون أرسلوا من قبل تشارلز عام 1927م كما تم انشاء طريق بين الحديدة وحجة كما بنى المهندسون الأمريكيون جسورا أخرى على الطريق إلى صنعاء  كما قدم تشارلز للإمام يحيى هدايا منها المضخات وطواحين الهواء والمجارف والبذور وكان يهدف من وراء ذلك بحسب اعتقاد تشارلز أنها المدخل بهدف التوسع في التجارة الأمريكية مع اليمن . كما قدم دراسة للإمام يحيى عن المعادن والأحجار الكريمة الموجودة في اليمن وايضا اهتم الإمام يحيى بطلب المساعدة الأمريكية لتطوير مينائي المخا والحديدة وخلال عامي 1933- 1934م  تابعت القنصلية الأمريكية في عدن موضوع إنشاء الشركة الوطنية اليمنية التي أسست بإشراف الإمام يحيى وحصلت على امتيازات احتكارية في الاستيراد والتصدير.

 

طائرات أمريكية

ظهرت الاهتمامات الأمريكية الأولى بشؤون اليمن العسكرية بوثيقه تعود للعام 1923م تضمنت معلومات عن تخفيضات في المصاريف العسكرية للإمام يحيى أرسلتها القنصلية الأمريكية في عدن ولعل ابرز ملاحظات تلك الوثيقة أن الإمام يحي أقرا تخفيضا عاما على المصروفات العسكرية لحكومته رافضا أي مصروفات غير ضرورية اطلاقا وأمر بتخفيض 5% من رواتب الجنود والضباط العرب منهم خاصة  ولاحظت الوثيقة أنه رغم أن الإمام حذرا من تأثير هذه الخطوة على جيشه وهو ليس مسرور ا بهذا التخفيض  وانه تعويضا على ذلك سيمنح لكل فرد في جيشه قطعة من الأرض للزراعة تكون معافاه من الضرائب ورغم وجود مراسلات بين الإمام يحيى ونائب القنصل الأمريكي (بارك ) في عدن حول اتفاقية صداقة وتجارة مقترحة بين البلدين إلا ان الأمريكيين أشاروا إلى ان (هناك مشكلة محتملة في امتعاض بريطاني من اتفاقية أمريكية - إمامية  وعدم تفضيلها  وان ذلك ظهر في جهودهم لمنع الإمام من حق الدخول إلى محميتهم عدن  ولتأسيس مدخل لهم في الجزيرة عن طريق البحر الأحمر – تهامة  من خلال ابن سعود وخادمه الإدريسي ) . وقد لوحظ اهتمامات أمريكية مبكرة بالقوى المحلية في اليمن وشبة الجزيرة العربية وعلاقات هذه القوى بعضها ببعض وقد فسرت الولايات المتحدة الأمريكية هجوم الإمام يحيى على مقاطعات الجزء الشمالي من عدن عام 1926م بأن الإمام لم يعترف باتفاقية الحدود البريطانية – التركية عام 1913م لتثبيت الحدود بين اليمن وعدن كما لاحظا الأمريكيين أن البريطانيين يحاولون عزل الإمام وإبعاده عن محمية عدن وقطع اتصاله بالبحر حيث ان المباحثات بين البريطانيين والإمام قد فشلت وتوقفت عام 1926م بسبب تمسك الإمام بحق السيادة على جنوب غرب الجزيرة العربية كلها بما في ذلك عدن والمحميات ونظرا لرغبه الإمام يحيى في الحصول على ذخيرة ومعدات حرب وطائرات امريكية فقد كلف كوني هولبرغ بالحصول عليها من الولايات المتحدة ومن ضمنها رغبته بالحصول على أربع طائرات امريكية على الأقل حيث ابلغ هولبرغ نائب القنصل في عدن (جيمس بارك ) والذي قام شخصيا بالتواصل دون الرجوع لحكومته مع المفوض السياسي البريطاني في عدن الميجر (رايلي) وكلف هولبرغ بمقابلته وإبلاغه بطلبات الإمام يحيى العسكرية في حين كان رده بأن هذا التوجه مرتبط بحكومة لندن وقد كان الرد البريطاني حول بيع الأسلحة الأمريكية للإمام بتاريخ 10 مارس 1927م  اهم ما تضمنه جاء ( إن الحكومة البريطانية ستكون مسرورة إذا اقتفت الحكومة الأمريكية مثالها  وذلك برفض تزويد الإمام بمعدات حرب وهذا هو المرغوب فيه ) ويعلق (بارك ) نائب القنصل الأمريكي بعدن ( أذا كان الإمام يحيى ينوي استيراد طائرات امريكية فإنه يرغب أيضا في طيارين أمريكيين وميكانيكيين لتشغيلها وانه بذلك يحاول تقويه وضعه وربما سيكون قادرا على مواجهة  القوى الأجنبية على أساس من المساواة ).

ورغم محاولات الإمام المتكررة وإصراره على الربط بين هذه الطلبات ورغبات أمريكية أخرى بأخذ امتيازات الكاز أو تزويد معدات فإن الولايات المتحدة لم تتجاوب مع طلبات الإمام العسكرية نهائيا ولم تنفذ منها شيئا ويرجع ذلك الرفض مرتبطا بالمصالح البريطانية وعدم قدرة أمريكا على منافسة بريطانيا أو الوقوف بوجهها لتنفيذ سياسة مستقلة فيما كانت بريطانيا تصر على حماية مصالحها في المحافظة على الطريق إلى الهند بالتفاهم مع الدول الاستعمارية المنافسة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وثائق الخارجية

في 19 يونيو 1928م وردت ملاحظات من الخارجية الأمريكية موجهة لنائب القنصل الأمريكي بارك في عدن جاء فيها ( إن وزارة الخارجية الأمريكية لا تعارض مناقشتك للاعتراف بالإمام من قبل الولايات المتحدة ولكن لا تشجعه ) ثم تابعت الخارجية الأمريكية المشكلات الداخلية في اليمن كثورة الزرانيق (1926-1929م)  من خلال القنصلية الأمريكية في عدن واعتبرت ان الزرانيق كانوا مستقلين في تهامة أيام الاتراك  كذلك اهتمت امريكا بمتابعه اتفاق الإمام يحيى مع الايطاليين واعترافهم بمملكة الإمام يحيى عام 1926م وحيث كان هناك تواجد للإيطاليين على الطرف الأخر من ساحل البحر الأحمر في الحبشة واريتيريا فقد كانوا يهدفون من تقربهم من الإمام يحيى تقليص نفوذ البريطانيين في البحر الأحمر وطمعا في توغلهم المياه اليمنية والسيطرة على جزر فرسان وكمران ومن خلال الاطلاع على الوثائق الأمريكية  نجد اهتمامهم ومراقبتهم لكل جوانب الحياة الداخلية لليمن من خلال الاهتمام الكبير بالعلاقات البريطانية مع الإمام يحيى ومتابعه تلك العلاقات وصلتها بالنفوذ البريطاني الايطالي في اليمن وخاصه الموانئ والجزر. كذلك اهتمامها بوفاة الأمير سيف الإسلام محمد ابن الإمام غرقا والاهتمام بتفاصيل الحادث وبأن الأمير المتوفي ( يجيز التدخين ولا يمنع موسيقى الشارع والتصوير الشخصي ولا يحدد حركة الأوروبيين في الحديدة ) كذلك الاهتمام بالتغييرات الإدارية في اليمن وتوجهات المسؤولين في إصدار صحيفة في الحديدة هي ( مجلة اليمن ) وإبرز التوجهات العامة للقائمين على الصحيفة بشكل خاص والمسؤولين اليمنيين بشكل عام وموقف الإمام من إيطاليا وقيمة العقود التي وقعت بينهما والاهتمام بالاتصالات الإيطالية مع الإمام ومتابعتها بصورة مستقلة عن البريطانيين من خلال القنصلية الامريكية في عدن أو من خلال السفارة الأمريكية في القاهرة أو الملحقية الأمريكية في الحبشة (أديس أبابا) أو بالاشتراك مع السلطات البريطانية في عدن والاهتمام الأمريكي بمتابعه موضوع صحة الإمام يحيى أو المشاركة في دراسة الاحتمالات لتنازله أو لخلافته . كذلك كان هناك تنسيق بريطانيا امريكا متكاملا حول العلاقة مع الإمام يحيى منذ 1926 ولغاية 1932م.

 

المسألة اليهودية

ورغم أن القنصلية الأمريكية في عدن أكدت للخارجية الأمريكية نصيحتها على انه ( يفضل أن يعترف اعتراف أمريكي بمملكة اليمن في مايو 1930م ) إلا أن  الولايات المتحدة الأمريكية عادت وطمأنت  بريطانيا أنها لن تعترف باليمن في ذلك الوقت ورغم اهتمام وزارة الخارجية الأمريكية بمسألة الاعتراف باليمن إلا انها لم تقم بالاعتراف به وقد برزت الخارجية الامريكية في ثنايا ردودها على القنصلية الأمريكية في عدن عدم الاعتراف بالإمام يحيى لأسباب منها المسألة اليهودية وخشية الخارجية الأمريكية من أن يشكل الاعتراف باليمن حجة للمنظمات اليهودية الأمريكية للضغط على الخارجية لإجراء مقابلات مع الإمام يحيى بخصوص الهجرة اليهودية من اليمن  ووصفت الخارجية الأمريكية توقعاتها حول ذلك بانه ( سيل من الطلبات للمنظمات اليهودية الأمريكية ) كذلك التأني لحين تحقيق توسع في التجارة الأمريكية مع اليمن وتحقيق تفاهم  مع الإمام يحيى الذي وصفته الخارجية الأمريكية بأنه ( داهية ومتعصب قليلا ويحكم بلاده بشيء من المقدرة ). وثالث الأسباب شكوك الخارجية الأمريكية حول علاقة الإمام يحيى الخارجية ونواياه تجاه القوى الأجنبية وبحثه عن تعاون عسكري عربي مع العراق ومصر ومعارضته لعقد معاهدات مع القوى الأجنبية والمسيحية ويظهر ذلك من خلال ملاحظات نائب القنصل الأمريكي في عدن أن الإمام رفض التعامل مع البريطانيين لأنهم بحسب كلمات الإمام نفسه (إذا أعطيتهم  موطئ قدم في اليمن فإنهم سيلتهموننا ) اضافه إلى ارتباط أمريكا بعلاقاتها مع ابن سعود وتوطيدها كحليف استراتيجي في المنطقة وبدأت علاقتها به عام 1933م ولقد لخصت وثيقة أمريكية أعدها قسم شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 19 يونيو 1931م أسباب عدم الاعتراف بالإمام يحيى أن اليمن لم تصل إلى مرحلة تطور وطني وان الإمام لم يعترف به سوى من دولتين هما ايطاليا والسوفييت وانه ليس هنالك دبلوماسيين وأجانب أو قناصل يقيمون في اليمن  كما أن الإمام لم يرسل ممثلين له للدول الأجنبية  بالإضافة إلى أن اليمن ليست لها حدود محددة ولها نزاع أو أكثر دائم مع السلطات البريطانية في عدن بسبب ادعاءات الإمام في الأراضي التابعة لمحمية عدن ورغم أن الوثائق الأمريكية تقر أن سبب عدم تحديد الحدود ناتج عن الطموحات المتضاربة لثلاثة قاده عرب ( الإمام يحيى والإدريسي وابن سعود ). وآخر الأسباب هو ان يجب أن تكون أمريكي متأنية في الاعتراف بالإمام يحيى لكي لا تتورط بالمسألة اليهودية وعلى الرغم من ان الإمام يحيى كان يرغب بإقامة علاقات مع أمريكا لتقويه موقفه والاستفادة من المعدات العسكرية الأمريكية كونهم بنظره رجال اعمال فقط وان السلع الأمريكية هي السلع الأجنبية الأفضل وان التعاون في الاعمال مع الأمريكيين هو تعاون عمل فقط ومشكلة المال ليست عقبة بالنسبة للإمام فقد نقل عنه ما نصه (لدي وفرة منه وبلادي غنية ولدي الاستعداد لصرف أي شيء ضروري منه من أجل الدفاع وتطوير اليمن).

 

الارساليات التبشيرية

كان هناك ترابطا واضحا بين السياسة الأمريكية والنشاط الاقتصادي والثقافي الأمريكي حيث نشطت الكنائس الأمريكية في نشر مبادئ وتعاليم كنائسها المختلفة في منطقة الشرق الأوسط بعامة واليمن بخاصة وكان التبشير كمقدمة لنشر المدارس وبناء الكنائس والإرساليات التبشيرية والخدمات الإنسانية الخيرية في البداية قد وجد دعما من المؤسسات الأمريكية الرسمية والأهلية على حد سواء وقد حاول بعض المبشرين الدخول لليمن أو الإقامة فيها في اوائل القرن العشرين ودخل يعضهم واقام في اليمن ولكن اعدادهم كانت محدودة من جهة والتجاوب مع إرسالياتهم ومبشريهم كان محدودا من جهة أخرى وواجهت الكنيسة الإصلاحية الهولندية الأمريكية في اليمن في أوائل القرن العشرين حملة عدائية تركية  كانت جزءا من توجه عام تركي ساد البلاد الواقعة تحت حكم الدولة العثمانية كردة فعل في مساندة امريكا والارساليات التبشيرية للقضية الأرمنية ولذلك تعرض أحد المبشر للقتل في اليمن وعادت زوجته للولايات المتحدة عام 1905م  ولم تؤثر زيارة نائب  القنصل الأمريكي في عدن للإمام يحيى عام 1910م ومساعدة الإمام له في موضوع التحقيق في مقتل المبشر الذي ثبت أن الأتراك قتلوه  في تعزيز علاقات يمينة - أمريكية رغم أن الرئيس الامريكي روزفلت آنذاك كان من أتباع الكنيسة الإصلاحية الهولندية . ورغم انه لم يعد هناك ذكر لنشاط تبشيري أمريكي في اليمن وخلال عهد حكم الإمام يحيى ( 1904- 1948م ) وكان معرفة اليمنيين عن الولايات المتحدة الأمريكية بقيت محدودة حتي عام 1917م  وبقيت معرفة الأمريكيين عن اليمن قليلة  رغم الأبحاث التي أجراها (البيرت بيتر)  من جامعة ستراسبورغ ولقد بقى الإمام يطالع الأخبار العالمية عن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الصحافة العربية التي يتابعها ومن خلال زواره من عرب وأجانب  وقد استفسر عن أمريكا ورئيسها وانتخاباتها وماهي الطريقة التي يتم فيها انتخاب الرئيس الأمريكي ومدة ولايته وكم مرة يجوز أن يعاد انتخابه وحاول الإمام معرفة شيء عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث منذ جورج واشنطن الذي اعجب به الإمام لرفضه الترشيح لولاية ثالثة للانتخابات.

التواصل الثقافي

فيما اتاحت فرصة الاحتكاك المباشر بين الإمام يحيى والقنصلية الأمريكية في عدن طرح العديد من الاستفسارات ومناقشة مختلف القضايا بصورة مباشرة وجرى من خلال ذلك التعرف على ثقافة الآخر فرغم بعد المسافة التي تفصل عدن عن صنعاء وبقيه أجزاء اليمن إلا أن نائب القنصل الأمريكي في عدن (بارك) زار الإمام يحيى في صنعاء كما زار صنعاء العديد من الوفود الأمريكية في تلك الفترة وكان المسؤولون اليمنيون في صنعاء حريصين على تقديم المصنوعات الأمريكية للوفود الزائرة مثل الطعام والسجائر  كذلك كانوا خلال تواجدهم في صنعاء يستخدمون في مواصلاتهم سيارات أمريكية تم شرائها من السوق العالمي وكانت من مخلفات الحرب العالمية الأولي . وقد عبرت الرسائل المتبادلة بين الإمام يحيى وولاته في مدينتي الحديدة وتعز من جهة مع القنصلية الأمريكية في عدن من جهة أخري عن التمنيات أن تعزز الزيارات علاقات الصداقة مع أمريكا وأن نعرف الكثير عنها وعن سرورهم لمدى تقدم أعمال اليمن التجارية مع الشعب الأمريكي.

فالأطماع الأمريكية في اليمن اتخذت مقدمات كمعونات إنسانية وخدمات ومشاريع إنشائية وتواصل ثقافي وتبشيري وزيارات ووفود ومستثمرين وتجار بالإضافة إلى رفع تقارير شاملة للحياة الاجتماعية لليمن وتتبع أهم المشاكل الداخلية ومعرفة القوى المحلية المعارضة لحكومة صنعاء وعلاقتها بالقوى العربية المحيطة بها وعمل دراسات علمية متخصصة عن اليمن كل ذلك كسياسة امريكية استخباراتية للوصول إلى هدفها الاستراتيجي بالسيطرة على اهم الموانئ والجزر اليمنية.


طباعة  

مواضيع ذات صلة