222 عاما من المطامع الامريكية في الموانئ والجزر اليمنية –2—

لقد تمتع اليمن بصلات واسعة قديمة مع العالم الغربي أكثر من أي بلد أخر بسبب موقعها الجغرافي على طرق المواصلات الهامة وكانت اليمن محط أنظار

خاص - صحيفة اليمن -  علي الشراعي

222 عاما من المطامع الامريكية في الموانئ والجزر اليمنية –2—

الدول الأوروبية الكبرى في خضم تنافس استعماري كبير ساهمت فيه البرتغال وهولندا وفرنسا وإيطاليا ومن ثم امريكا وذلك للموقع الاستراتيجي الهام.

وقد أدت تلك الاهتمامات والمصالح للقوى الدولية في شؤون اليمن خلال القرن التاسع عشر الميلادي إلى احتل الإنجليز لمدينة عدن عام 1839م ثم قاموا بإعادة احتلال جزيرة بريم 1856م وبناء منارة فيها لإرشاد السفن وحاول العثمانيون السيطرة على اليمن عدة مرات منها 1849م حيث أرسلوا حملة لها ثم أرسلوا في العام 1872م حملة اخرى لإعادة السيطرة عليها.

 

الوجه القبيح

في نفس الوقت الذي كانت أمريكا تطرد إسبانيا من كوبا  بذريعة واهية  أرسلت قطعا من أسطولها البحري لغزو الفليبين واحتلالها ووصل الأسطول الامريكي إلى خليج كوريجيدور وقام بتدمير الأسطول الإسباني الموجود في ميناء مانيلا واستولى على المدينة في اغسطس عام 1898م بداعي إنقاذ الجزيرة من أزمة داخليه – تلك ذرائع أمريكا في التدخل بشؤون الاخرين واحتلال بلدانهم – كان الفليبينيون رافضون للغزو الجديد فقام الأمريكيون بذبح وإبادة كل من فكر في المقاومة وفي فقرة من تقرير كتبه أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي بعد زيارة قام بها إلى الفليبين فور الاستيلاء عليها مباشرة كتب يقول : ( إن القوات الأمريكية اكتسحت كل شبر لاحت منه أية بادرة للمقاومة  إنها لم تدع هناك فليبنيا واحدا إلا وقتلته  وهكذا لم يعد في هذا البلد رافض للغزو الأمريكي  لأنه ببساطة لم يبق منهم أحد كي يرفض )  وقد كتبت صحيفة فيلادلفيا الأمريكية نقلا عن مراسلها في مانيلا تصف الموقف هناك قائلة : ( إن الحرب هنا ليست كما يعتقد الكثيرون تجرى دون دماء  لقد كان جنودنا قساه تجاه الفليبينيين لقد أعدموا الرجال والنساء والأطفال  المقاتلين والمدنيين  الأسرى والمعتقلين  من سن عشر سنوات وما فوق  إن الفليبني هنا أفضل قليلا من الكلب  خاصة وأن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال فرانكلين قالت لهم : لا أريد أسرى  ولا أريد سجلات مكتوبة )  ابادة جماعية تضاف لسجل الأسود لتاريخ امريكا بحق البشرية حيث وصل عدد القتلى إلى 600 ألف فليبيني في ثلاث سنوات 1898- 1901م )  اما الرئيس الأمريكي الخامس والعشرون ويليام ماكينلي (1897- 1901م ) فقد وقف يخطب في الشعب الأمريكي في حماسة قائلا : إننا قد ذهبنا لغزو الفليبين من أجل رفعة شأنهم ونشر الحضارة بينهم وتحويلهم إلى المسيحية  وهنا مال أحد مساعديه عليه هامسا : سيدي الرئيس إن الفليبينيين مسيحيون ! فعاد الرئيس يقول في بلاهة : إذا فلنحولهم للبروتستانتية !! ولم تنل الفليبين استقلالها عن الولايات المتحدة الأمريكية إلا في عام 1946م بعد الحرب العالمية الثانية.

 

الحصار البحري

استطاع الإمام يحيى حميد الدين خلال الفترة التي اعقبت اتفاق صلح دعان  1911م مع العثمانيين تحقيق نجاحات في الشؤون الداخلية اليمنية سواء في مجالات الإدارة او القضاء أو تطبيق الشريعة  ومع وصول القنصل الامريكي لصنعاء عام 1910م بداية تواصل امريكا مباشرة مع الامام يحيى وفتح نافذة لبداية علاقات أمريكية بحاكم عربي مازالت بلاده تحت سيطرة الدولة العثمانية  ومع نشوب الحرب العالمية الاولي (914- 1918م ) التزم الإمام يحيى الحياد في تلك الحرب رغم محاولة الإنجليز استمالته لجانبهم ونقض اتفاقه مع العثمانيين لكنه رفض بل دعم العثمانيين ماليا وتغاضي عن مقاتلين يمنيين قاتلوا بصف العثمانيين في منطقة لحج ضد الإنجليز في عدن  لكن اليمن تأثرت خلال الحرب العالمية الولي اقتصاديا بصورة كبيرة فالأجزاء الشمالية منها كانت تحت السيطرة العثمانية حيث كان للعثمانيين (14000) جندي على السواحل اليمنية والجزء الجنوبي تحت سيطرة الإنجليز وكانت القوتان في حالة حرب وصراع فيما كانت السواحل اليمنية والجزر المحاذية لهذه السواحل هدفا للاعتداءات العسكرية وشكلت الحرب حصارا بحريا على الموانئ اليمنية وازدادت الحالة الاقتصادية ترديا باحتلال القوات الإنجليزية لميناء الحديدة الذي يعتبر الميناء الطبيعي والمتنفس الخارجي لصنعاء.

 

رسالة صنعاء

ومع صعود الرئيس ويدرو ويلسون ( 1913- 1921م )  الرئيس الأمريكي الثامن والعشرون فقد اعلن الحياد في الحرب العالمية الأولي ونظرا لإغراق غواصه ألمانية سفينة بريطانية ومقتل 128 أمريكيا كانوا على متنها يوم 7 مايو 1915م فقد بقي ويلسون محافظا على حياده وطلب من الألمان عدم الهجوم على السفن التي تقل الركاب أو سفن الدول المحايدة  ولما زادت الخسائر الأمريكية البشرية والمادية من الحرب قرر ويلسون إعلان الحرب على ألمانيا في 6 أبريل عام 1917م  وفي 18 يوليو 1918م القى ويلسون أهم خطاب له أمام الكونجرس حيث حدد مبادئه الأربعة عشر التي تضمنت مبادئ لإقرار السلام في العالم ومن أبرزها حرية الملاحة في البحار وخفض التسلح وإقامة عصبة الأمم لتامين السلام العالمي والتخفيف من حدة القيود الاقتصادية ونبذ المعاهدات السرية بين الدول وحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها.

وكان الإمام يحيى حذرا من الدور الصاعد للتأثير الأمريكي الواسع في الشؤون الدولية ولكن مبدأ حماية استقلال الأمم والشعوب أثار اهتمام الإمام الذي كتب للرئيس الأمريكي ويلسون رسالة في  22ديسمبر 1918م طلب إليه فيها الاعتراف باليمن مستقلة تماما (كاملة الاستقلال ) وبوضعه كإمام وملك ومما ذكر بتلك الرسالة (  إنني أسالك  باسم الإنسانية لاستعمال نفوذك وتأييد حكومتك للاعتراف بحقوق الإمامة في اليمن وباستقلال العرب  والاعتراف والتأكيد على حدود اليمن المعروفة واستقلاله التام تحت حكم المتوكل على رب العالمين يحيى بن حميد الدين الذي حكم أسلافه اليمن باستمرار ما يقارب الألف عام ) لكن الرئيس الأمريكي ويلسون لم يتخذ أي إجراءات لتلبيه طلب الإمام يحيى  ومع ذلك تشير الوثائق الامريكية إلى أن الانطباع عن الإمام يحيى خلال هذه الفترة ( 1919- 1920م )  كان الإمام ( ملك معروف ببساطة في كل الأماكن كإمام العنوان الذي يؤيده كل مناصر للدين المحمدي ( الإسلامي ) في كل مسجد  أنه يؤكد شخصيته الدينية وأهمية المساواة التي وصل إليها شعبه كحام للإيمان وبكونه ملكا  إنه يسيطر على شعبه باحترام إضافي ).

 

الاعتراف الأمريكي

فيما يتصل بالجانب اليمني فإن أبرز مبررات إقامة علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولي تتمثل في رغبة الإمام يحيى بالاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية كقوة دولية في مقاومة ضغوطات بريطانيا على اليمن سواء من خلال مستعمراتها في عدن أو المحميات أو من خلال تابعها الإدريسي في عسير كذلك أن يحقق الإمام يحيى اعترافا دوليا من الولايات المتحدة الأمريكية بأنه ملك وإمام اليمن طبقا لقواعد القانون الدولي ليستكمل شرعية وجود الدولة اليمنية حيث أن نظرية الاعتراف الدولي تمكنه من إنشاء علاقات دولية متكافئة حسبما كان متبعا في العلاقات الدولية آنذاك  وأن يستفيد الإمام يحيى من أمريكا بالضغط لكي لا يتم تسليم الضباط والجنود والموظفين العثمانيين في اليمن إلى بريطانيا وأن يستطيع إبقائهم في اليمن ليستفيد منهم في بناء الدولة اليمنية  وإلا يُسلموا كأسرى إلى الحلفاء وان يشملهم حق تقرير المصير  مطالبه الإمام يحيى بحق العرب في تقرير المصير وكان يرغب بتمثيل العرب في مؤتمر الصلح تحقيقا لهذه الغاية ورسالته لرئيس الأمريكي ويلسون تؤكد هذا الاتجاه باعتبار ان امريكا راعية الإنسانية بحسب مبادئ ويلسون الأربعة عشر – لقد لاقت مبادئ ويلسون بمؤتمر فرساي 1919م معارضة شديدة من الدول الاستعمارية فرنسا وإنجلترا ومن القوى الامريكية الطامعة بالتوسع واستعمار الشعوب –  ورغبة الإمام الاستفادة من التقنية الأمريكية التي شعرت بأهمية استخداماتها في اليمن واستخدام المخترعات الحديثة  كذلك رغبة الإمام لفت انتباه أمريكا والعالم بالشؤون اليمن بعد الحصار البريطاني لها وتوقف الحج  من بداية الحرب العالمية الأولي عام 1914م واحتلال الأسطول البريطاني جزيرة كمران التي كانت المحجر الصحي لسفن الحجاج.

 

الباب المفتوح

وفيما يخص مطامع أمريكا في تطوير علاقتها مع اليمن مرتبطة بالجانب الاقتصادي والتبشيري والثقافي ومع انتهاء الحرب العالمية الأولي بدأت امريكا تتطلع منذ 1919م  إلى التنقيب عن البترول خاصة وان دراسات بحثية أكد وجود بترول في بعض الجزر اليمنية كجزيرة كمران وفي منطقة المخا  ورغم تلك المطامع الأمريكية لكن كانت تواجه بتلك الفترة بمعارضة بريطانيا بحكم سيطرتها على جنوب اليمن واحتلالها لأغلب الجزر اليمنية ومنها جزيرتي كمران وبريم  وبعد الحرب العالمية الأولي جاءت مرحلة مختلفة في ظروفها ومجالاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية فقد حدا بالإدارة الأمريكية ان تتبنى سياسة ضرورة الحصول على فرص متساوية للمصالح الدولية في المنطقة العربية واتباع سياسة الباب المفتوح التي تعني - بموجب القانون الدولي الفرص المتساوية لجميع الأمم في علاقاتها التجارية -  بعد ادركت أمريكا أن الانجليز يحاولون إبعاد الأمريكيين عن الاستثمارات في الأراضي التي كانت الدولة العثمانية تسيطر عليها ومنها اليمن خاصة بعد اتفاق انجليزي - فرنسي على تقسيم المنطقة العربية وبالذات البلدان الذي يوجد فيها النفط  ولهذا شكل ما بعد الحرب العالمية الأولي بداية للتنافس البريطاني الأمريكي وبدء مرحلة جديدة من النشاط السياسي الأمريكي لخدمة المصالح الأمريكية ومن تلك المصالح الأمريكية في اليمن الجانب الاقتصادي والسياسي العسكري والثقافي وإن كان الجانب السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية والمناطق الاستراتيجية ذات المردود الاقتصادي احتل أولى المطامع الأمريكية.

 

الفرص التجارية

مع مطلع القرن العشرين ازدادت الفرص التجارية للأمريكيين في اليمن فقد أسست شركة أمريكية لتجارة الجلود في اليمن منذ العام 1902م  وقد ازدهرت تجارتها في مجال الجلود وأسست فرعا لها في اليمن خلال تلك الفترة صفى اعمالها في اليمن عام 1927 م  كما أن من الشركات الأمريكية التي تأسست قبيل الحرب العالمية الأولي شركة (تشايدز) التي كانت تتاجر في القطن وحاولت السيطرة على اليمن  خلال عامي 1919- 1920م إلا إنها انهارت وهذه الشركات كانت تعمل من خلال مدينة عدن  وخلال أيام الحرب العالمية الأولي ظهرت بعض السلع الأمريكية في اليمن وكانت تسمى حسب المصطلحات اليمنية العامة ( أمريكاني ) مع انها بحسب الوثائق الأمريكية يابانية الأصل وتزايدت وازدهرت تجارتها خلال الحرب  بينما تقلصت بعد انتهاء الحرب إلى الربع وكان السبب الرئيسي في ذلك يعود للمنافسة السعرية وقد اقترحت القنصلية الأمريكية في عدن بضرورة تأسيس شركة امريكية جديدة تعمل على بيع المنسوجات القطنية الأمريكية في اليمن  ثم بدأت الاهتمامات الأمريكية بمنطقة شبة الجزيرة العربية في العام 1922م حيث قام  المستثمر الأمريكي ومهندس التعدين (تشارلز كرين) بزيارة للحجاز وكان مهتما باليمن ثم قام بزيارة الإمام يحيى في اليمن مرتين خلال عامي 1926- 1927م إلا ان مباحثات كرين لم تسفر عن نتيجة في مجال التنقيب عن البترول في اليمن وتمخضت عن برنامج متنوع للمساعدات الفنية.

 

تأسيس الشركات

دخلت العلاقة اليمنية - الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولي طور آخر وتركزت في الجانب الاقتصادي والسياسي والعسكري ففي 28 اكتوبر1926م أرسل نائب القنصل الأمريكي في عدن ( جيمس لودر بارك ) رسالة إلى الإمام يحيى يطلب أذن منه لتاجر الأمريكي (نيتون هولبرج ) لفتح فرع لشركته في مدينة الحديدة وعلى قدم المساواة مع الشركات الأخرى  وقد رد الإمام يحيى على بارك أنه أمر حاكم الحديدة أن يسمح لتاجر الأمريكي هولبرج بالعمل في الحديدة وأن يقدم له كل التسهيلات وفي 18 ديسمبر من نفس العام  أرسل بارك رسالة تعريف أخرى إلى الإمام يحيى يعرفه بأخ نيتون هولبرج  وهو ( كوني هولبرج ) باعتباره نائب رئيس الشركة ومدير عام منطقة البحر الأحمر  ويلتمس فيها من الإمام مقابلة (كوني )  والسماح له بالعمل في صنعاء وفي أجزاء أخرى من اليمن في ظل المساواة  مع التجار الآخرين  وأضاف نائب القنصل برسالته للإمام ( لاشك أن صداقة سموك مع السيد كوني ستمكنه من أن يقوم بتجارة أمريكية هامة في ممتلكات سموك ) ومما يلاحظ ان رسالة بارك للإمام يحيى بخصوص الأخوين ان الأولي تضمنت رغبه (نيتون ) بفتح فرع لشركته في ميناء الحديدة فقط  بينما تضمنت الرسالة الثانية أن ( كوني ) يرغب بالعمل في العاصمة صنعاء وفي أجزاء أخرى من اليمن وهو ما يعبر عن رغبة أولية أمريكية في توسيع مجالات العمل للأمريكيين في اليمن  وخلال لقاء الإمام بكوني تم الاتفاق على تنظيم شراء أول طلبيات الإمام من خلال مكتبه  في نيويورك لعشرين ألف معطف لجنود الإمام  وكان الإمام يحيى يرغب في استئناف التجارة مع أمريكا وربطها بعلاقات رسمية للحصول على معدات حرب امريكية من جهة  وان يحصل على امتيازات خاصة تمنحها له المعاهدة الأمريكية من جهة اخرى في مواجهة أي قوة عربية معادية ولمواجهة الإنجليز في الجنوب.

 

معاهدة أمريكية - يمنية

وخلال تواجد مهندس التعدين الأمريكي تشارلز كرين في اليمن قدم نص مسودة مشروع معاهدة أمريكية - يمنية اقترحها وقدمها إلى الإمام يحيى ويبدو أن نائب القنصل الأمريكي في عدن ( بارك)  طلب من كرين  تقديم تلك المسودة قبل زيارته للإمام يحيى في صنعاء عام 1927م  وكان من أبرز بنود هذه المعاهدة أن تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بالاستقلال الكامل المطلق لجلاله ملك اليمن وحكومته ولا يكون لحكومة أمريكا أي تدخل في الأمور الإدارية والسياسية في مملكة الإمام  ومن بنودها ايضا تسهيل المعاملات التجارية بين البلدين  مدة هذه المعاهدة عشر سنين على ان تكون قابلة للتجديد والتوسع بتراضي الطرفين  وتؤكد الوثائق الأمريكية على ان (تشارلز كرين) قد اقترح الاتفاقية على الإمام يحيى خلال زيارته الأولي لصنعاء 1927م وطاب من نائب القنصل  الأمريكي في عدن (بارك ) حين زار صنعاء عام 1928م على ضرورة  سرعة إعداد مشروع  مسودة  بنود  هذه الاتفاقية لتسهيل حصول اليمن على مهندسي التعدين والآلات وغيرها  وقد طلب الإمام يحيى من بارك دعم وانجاز هذه الاتفاقية مع الحكومة الامريكية دون ابطاء  ولكن يبدو ان السياسة الإنجليزية كانت مهيمنة على القرار الأمريكي فيما يخص المطامع الأمريكية في اليمن لذا لم توافق امريكا على التوقيع على بنود هذه الاتفاقية  وقد حاول بارك في رسالته أن يحض الخارجية الأمريكية على العمل لتطوير العلاقات مع الإمام يحيى موضحا المصالح الأمريكية التي يمكن أن تتحقق من هذه العلاقات (  إن ذلك  لمصلحتنا الخاصة حيث أن ازدهار التجارة في بلد أرهقته وفرقته الحرب مطلب مُلح  خاصة وأن لليمن شريطا ساحليا وموانئ  ولا ضرورة  لإعادة تأسيس القنصلية الأمريكية في الحديدة حتي تبلغ التجارة مستويا فعليا  فإن المعاهدة تبدو مفضلة جدا  بهدف توسيع  نطاق تجارتنا  وليس بالضرورة  ان تربكنا في سياسات بريطانية – يمنية  غير حقيقية  خاصة وان موقف  بريطانيا  تجاه معاهدة أمريكية مع اليمن لا يزال غير واضح ورغم ذلك ان هولبرغ لم ينفذ المشاريع التجارية التي طرحها الإمام يحيى عليه سواء بموضوع المعاطف للجيش الإمامي أو احضار كبريت بأسعار منافسة ونوعية أفضل كما لم يقم هولبرغ بأي خطوة ايجابية لتحقيق ثقة الإمام به حول مباحثاتهما سوية لمنح امتياز الكاز إلى مؤسسة هولبرغ  وكان رأي الإمام ب (هولبرغ ) واضحا منذ البداية إذ جاء برسالته إلى بارك أن هولبرغ  يؤخر العمل معنا لسبب او لآخر مما خلق شيئا من الشك لدينا وان رسالته المؤرخة 1/3/1927م  غير مقبولة لدينا ).

 

سنعود إليه

وقد كان نائب القنصل الأمريكي في عدن ( بارك) حريصا على علاقة امريكية -يمنية وعلى تبديد أية شكوك او سوء فهم يتم بين الإمام يحيى وأي امريكي بما فيهم التجار  وقد شارك كرين موقف بارك الذي عارض توجهات الخارجية الأمريكية في عدم الاعتراف بالإمام يحيى وباليمن في رسالة وجهها إلى وزارة الخارجية الأمريكية جاء فيها : (إنني اخشى إنني لا أنظر إلى الإمام يحيى واليمن تحديدا كما تنظر وزارة الخارجية  والإمام من فرقة الزيدية وهو واتباعه لا يوافقون التطرف  وحدود دولته آمنة في كل مكان ما عدا في الجنوب حيث الميناء البريطاني– ويقضم من اراضي اليمن كعادته  اما دولة الإمام يحيى فلا قتل ولا سرقات ولا شرب خمر ولا إجراءات شرطية شديدة  وإنه لمن المؤسف انه لا يستطيع الإمام التحدث رسميا سوى مع الإيطاليين وتابعيهم لكنني أعتقد بقوة اننا سنعود إليه )  هكذا المحتل بأي زمان ومكان لا يزرع الأمن والعدل والطمأنينة بل يبذر الخوف والقتل والجريمة فما أشبه محتل الأمس بعدوان اليوم على اليمن.

وتعزز موقف ثالث مساند لنائب القنصل الأمريكي بعدن بارك ملاحظات محللين في الخارجية الأمريكية استندوا على المعلومات الواردة إلى الخارجية الأمريكية من كل الجهات واعتبروا ان التقارير السياسية لنائب القنصل في عدن بارك ليست تقارير سياسية متألقة بل هي متابعات يومية يمكن الإفادة منها.

 

تأجير الصليف

وتركز عمل القنصلية الأمريكية في عدن خلال الأعوام من (1927-1929م ) على مراقبة النشاطات الاستعمارية  الأجنبية في اليمن وخاصة البريطانية في مناجم ملح الصليف حيث أعتقد الأمريكيون أن الإمام يحيى يمكن أن يبيع امتياز ملح الصليف للبريطانيين مقابل اتفاقية بريطانية – يمنية تعترف بالأمام يحيى كما تابعت القنصلية زيارة مستثمرين بريطانيين إلى صنعاء والحديدة في الوقت الذي كان فيه (كارل توتشل ) مهندس التعدين الأمريكي يحاول الحصول على امتياز ملح الصليف وكان في زيارة للإمام يحيى في الفترة الواقعة بين نوفمبر 1928- مارس 1929م   ورغم عدم معرفة القنصلية بعدن عن عروض الإنجليز للإمام لكنها ليس أفضل من عروض توتشل  خاصة  وأن الإمام يتقبل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من بريطانيا ) وقد أقترح توتشل على الإمام يحيى أن ينشئ مؤسسة أمريكية تكون قادرة على استغلال مناجم ملح الصليف وقد زار توتشل موقع  المملحة بالصليف والتي كانت من قبل  يستخدمها العثمانيون ويستخرجون منها الملح  بكميات كبيرة  ويبيعوه داخل اليمن وخارجه وميناء الصليف يقع على شاطئ البحر الأحمر بمسافة 70كم من مدينة الحديدة  شمالا  ووصف توتشل  تلك المملحة انه يوجد فيها أجود أنواع الملح  في العالم ويوجد بالقرب منها طبقات جيولوجية من أحجار (الشلز ) التي تشير في بعض الأحيان  إلى وجود بترول  وقد عاد توتشل  إلى أمريكا بالتنسيق مع الإمام يحيى وتباحث مع عدة شركات أمريكية للتعاون بهدف الحصول على امتياز لاستخراج الملح والمعادن في اليمن  وقد لبت إحدى هذه الشركات طلبه وأوفدته إلى اليمن لعقد اتفاقية مع الإمام يحيى.

 

تأجير 99عاما

وقد قدم  توتشل  للإمام يحيى مشروع اتفاقية ابرز ما تضمنته أن الإمام وحكومته يؤجرون توتشل ونقابته  شبة جزيرة الصليف بما فيها رأس عرب لمدة 99 عاما مقابل ألف ريال إمامي سنويا  ويمنح الإمام حصة في الشركة تعادل 10% من رأس مالها  تدفع الشركة ضريبة جمركية على التصدير بنسبة 3%  إلى حكومة اليمن خلال سنة من شحن الصادرات  إعفاء الشركة ومعداتها من الضرائب  تساعد الشركة  الحكومة في إنشاء حديقتين للتجارب الزراعية في اليمن  تهتم الشركة بالبحث عن المعادن بالاشتراك مع الحكومة واستخراجها  لا يستخدم في الوظائف الإدارية والفنية سوى الامريكيين والعرب إذا لم تباشر الشركة العمل خلال سنة تعتبر الاتفاقية ملغية  وحاول توتشل ذكر منافع تلك الاتفاقية لليمن منها إيجاد عمل لثلاثين رجلا حاليا  ولثلاثمائة رجل يمني حين وصول آلات المنجم وأدواته إلى اليمن  تقديم تقرير من قبل شركته للحكومة الأمريكية  وإعلامها خبر تأسيس هذه الشركة والطلب إليها بأن تعقد معاهدة تجارية مع جلالتكم  نشر الدعاية الصحيحة في الجرائد الأمريكية والعربية عن اليمن  تعبيد طريق  من الحديدة إلى الصليف وتخطيط الطريق من الحديدة إلى رأس الكثيف  وتقديم المساعدات الفنية لتعبيد الطريق ما بين  الحديدة وصنعاء عن طريق معبر  وزيادة نفوذ اليمن في العالم السياسي وضمانه هذا النفوذ بوجود بعض المصالح الأمريكية وودها.

 

تدخل أمريكي

ويلاحظ أن تلك الفوائد الناتجة عن تلك الاتفاقية تلبي بعض رغبات الإمام السياسية في العلاقات الدولية  من حيث تمكنه هذه الاتفاقية مساعدته في الطلب من الحكومة الأمريكية أن تعقد معاهدة تجارية مع الإمام يحيى وان تنشر حقائق  عن اليمن في الصحف الامريكية والعربية بعد ان ضاق الإمام ذرعا بما تنشره عليه الصحف الإنجليزية والمصرية  ورغم  ذلك فإن الإمام يحيى أدرك ما كان يجول في خاطر المهندس الأمريكي من وراء هذه الاتفاقية ورفض الموافقة على عقد هذه الاتفاقية مؤكدا ( ان الاتفاقيات الأجنبية بصورة عامة ستكون يوما ما من جملة الأسباب  التي تحدو بالأجانب إلى التدخل في شؤون اليمن ) وقد فشلت جهود توتشل  وشركته في الحصول على امتياز ملح الصليف رغم أنه قوبل بحفاوة وأكرمت ضيافته وقوبل اقتراحه بالاهتمام والصداقة ولكن الإمام قدم ردا سلبيا في النهاية  ومع ذلك فقد علقت القنصلية الأمريكية في عدن على ذلك قائلة: ( إذا منح الامتياز لأي كان فإنه سيتم تفضيل الأمريكيين ونقلت عن توتشل أن العمليات في مناجم الملح لن توضع في يد أي مصلحة أجنبية – يقصد الإنجليز - )  فالإمام لم يوافق على هذا الامتياز خوفا من نتائجه  فهو كان يدرك أن الدول الغربية بشكل عام وامريكا بشكل خاص تحاول التقرب منه طمعا في الحصول على مناطق في اليمن والاستثمار في كنوزها فهم يحاولون لينسلوا شيئا فشيئا إلى داخل البلاد ويفوزوا بما منوا به أنفسهم وهم واصلون إلى هدفهم لا محالة لان مطامعهم ودولهم الكبيرة أخذت تجاور اليمن فإن لم يفوزوا ببغيتهم واهدافهم اليوم فهم فائزون بها غدا – وهذا ما تحقق لهم اليوم من أهداف ومطامع من خلال  عدوانهم على اليمن – بما في أيديهم من وسائل القهر والعنف والعسف والتعدي وظلم الضعفاء وكلها وسائل وادوات قوة لا يمكن مقاومتها فوسائل الغرب وامريكا متعددة لسيطرة على الشعوب ونهب خيراتها كل ذلك كان الامام يحيى يدرك ذلك فكان يقول دائما : ( أفضل أن آكل أنا وشعبي القصب  على أن أرى أجنبيا واحدا في هذه البلاد ).

 

 


طباعة  

مواضيع ذات صلة