222 عاما من الأطماع الأمريكية بالموانئ والجزر اليمنية - 1

ميناء المخا ومضيق باب المندب وجزيرة بريم كانت منذ فجر التاريخ القديم محطة لأطماع استعمارية

خاص – صحيفة اليمن – علي الشراعي

222 عاما من الأطماع الأمريكية بالموانئ والجزر اليمنية - 1

 لموقعهما الاستراتيجي الهام على ممر الطرق التجارية العالمية وفي مطلع التاريخ الحديث تكالبت قوى استعمارية متعددة لمحاولة السيطرة عليها ومن تلك القوى الاستعمارية الولايات المتحدة الامريكية فبعد استقلالها عام 1776م بفترة وجيزة بدأت اطماعها تمتد نحو اليمن بذرائع تجارية لشراء محصول البُن اليمني من ميناء المخا منافسة بذلك قوى استعمارية اخري كالإنجليز والفرنسيين والهولنديين

لم تكن مصادفة تاريخية أن تنهار آخر معاقل وقلاع الدولة الاندلسية المسلمة في إسبانيا بسقوط مدينة غرناطة في عام 1492م في الوقت الذي ينجح فيه البحار المغامر الإيطالي كريستوفر كولومبس برعاية ملكة اسبانيا إيزابيلا الأولي في اكتشاف قارة أمريكا في اكتوبر بنفس العام  ولا بد ان بقايا الهنود الحمر الآن ينعون حظهم لأن ضعف المسلمين وتداعي دولتهم قد ساهم في انقراضهم وتعرضهم لأباده جماعية  وما يؤخذ على المسلمين خلال بقائهم ثمانية قرون في الاندلس عجزهم عن التطلع او اكتشاف أراضي ما وراء بحر الظلمات بل لم يكتشفوا حتى رأس الرجاء الصالح والدوران حول قارة افريقيا.

 

كذبة التاريخ 

ويذكر لنا التاريخ ان امريكا أخذت أسمها عن ( أميركو فسبوتشي) الرحالة الايطالي الذي كان يخدم البلاط الإسباني والبرتغالي باعتباره أول من اكتشف امريكا وقد كانت هذه كذبة كبيرة بدأ بها تاريخ العالم الجديد  فالرحالة لم يرى أمريكا الشمالية ولا مرة واحدة في حياته وقد مات عام 1512م دون ان يعرف ان العالم الجديد من شماله  إلى جنوبه سوف يسمى على اسمه  وواقع الأمر أن فسبوتشي كان واحدا من بين رحالة عديدين  قاموا باكتشاف مناطق وجزر مختلفة في الجزء الجنوبي من العالم الجديد  ففي عام 1522م بعد وفاه أمريكو فسبوتشي بعشر سنوات قام العالم الجغرافي الالماني (مارتن فالدزمولر) بإصدار خريطة للعالم الجديد وتوقف حائرا أمام اسم لتلك الأراضي الجديدة الشاسعة ثم توصل لإطلاق اسم الرحالة الإيطالي الراحل على النصف الغربي من الكرة الأرضية (العالم الجديد) وذلك بفضل كتابات أمريكو فسبوتشي المنتشرة عن الجنوب  وحين نقول أمريكا اليوم فإننا نعني بها الولايات المتحدة الامريكية – قارة امريكا الشمالية – وهو الجزء التي لم تطأه قدما صاحب الاسم على الأطلاق.

  

حرب ابادة

فقد ظلت امريكا منذ اكتشافها عام 1492م واستقلالها  كدولة سنة 1776م تتبع سياسة وحيدة لا تحيد عنها أبدا  سياسة السيطرة على كل ما يضمن عدم تعرض المصالح الامريكية المختلفة لأية خطر ومن تلك الاخطار الهنود الحمر حيث تعرضوا لأكبر حرب ابادة جماعية عرفها التاريخ البشري قام بها الاوروبيين ومن ثم الأمريكيين حيث استغرق أربعه قرون للقضاء عليهم فقد كان عدد الهنود الحمر في عام 1492م يزيد عددهم على خمسين مليون نسمة (في الامريكيتين معا)  و الان في الولايات المتحدة الامريكية أصبحوا 800 الف نسمة وكان تعداد سكان أوروبا في عام 1492م حوالي  54 مليون نسمة ويقتربون الان من مليار ونصف مليون  حتي ان الابادة نهجت اسلوب تشريعي قانوني – هذه الوجه الحقيقي القبيح للولايات المتحدة الأمريكية -  ففي عام 1730 م أصدر البرلمان الأمريكي قانون يبيح ابادة الهنود الحمر وتقديم مكافأة مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر , ونصف تلك المكافاة لمن يأتي بفروة طفل او امرأة فلم يعد الإيقاع بهم وقتلهم مجرد نزوات لبعض المغامرين البيض بل أصبح قانون يسمح بذلك بل ويمنح مكافآت مجزية من اجل إبادتهم.  

 

الظهور الأمريكي

تعود بدايات التواجد الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية نحو الجزر اليمنية الي نهاية القرن الثامن عشر حين كانت بعض السفن الامريكية تقصد ميناء المخا اليمني منذ سنة 1798م  للحصول على شحنات البن الذي وجد له رواجا كبير في امريكا وكثف الامريكيون اتصالاتهم بمناطق البحر الاحمر عامة واليمنية خاصة مع بداية القرن التاسع عشر وذلك في المجالات التجارية والتبشيرية والتعليمية  وبلغ مجموعة السفن الامريكية التي تقصد ميناء المخا اليمني عام 1804 م  إحدى عشرة سفينة مما حد بالأمريكيين الي محاولة الحصول على إذن من السلطات اليمنية بإنشاء مركز تجاري في ميناء المخا  حيث كانت استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية حتي إعلان الحرب العالمية الاولي(1914- 1918م) مقتصرة على العلاقات التجارية مع منطقة البحر الاحمر تطبيقا لسياسة العزلة التي اختطها الرئيس الامريكي الرابع ( جيمس مونرو) والذي تولي الرئاسة خلال الفترة (1817- 1825م )  حيث اعلن في ديسمبر 1823 م العديد من المبادئ سميت مبدا مونرو  وكان يستهدف عزل الولايات المتحدة الامريكية عن اوروبا ومشكلاتها واكد ان القارتين الأمريكيتين حرتان مستقلتان ولا يمكن اعتبارهما خاضعتين لاستعمار الدول الأوروبية في المستقبل محذر الدول الأوروبية من فرض انظمتهما في الحكم على أي جزء من النصف الغربي من الكرة الأرضية وبالمقابل تمتنع الولايات المتحدة الامريكية عن التدخل في الشؤون  الأوروبية - فكأن مبدا مونرو يقول ان للأوروبيين العالم القديم وللأمريكان العالم الجديد.

 

تجارة البن

فعلى الصعيد التجاري فقد شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي في اليمن انحسار الوجود الهولندي والفرنسي وأصبح الانجليز متفردين بالسيادة التجارية في هذا المنطقة فقد عمد البريطانيون منذ 1770 م إلى محاولات تركيز وجودهم في المخا وغيرها من موانئ اليمن وذلك بعقد اتفاقيات تجارية مع الإمام تتضمن محاولة إيجاد مواطئ قدم ثابت لهم بهذه الموانئ ففي سنة 1796م قاد القبطان جوزيف روبس سفينة (ريكا فاري ) إلى كلكتا ومن ثم إلى ميناء المخا عن طريق موريشيوس  وفي سنة 1798م وصلت إليه فكانت اول سفينة أمريكية تصل إلى ميناء فى شبة الجزيرة العربية واستقبل روبس استقبالا حسنا في المخا إلا انه فشل في تحقيق الكثير من النجاح التجاري فأبحر إلى كلكتا  وقد عادت هذه السفينة مرة اخري عام 1801م  بقيادة القبطان لوتز دانا حيث جلبت من المخا 326 ألف رطل من البن لأربعه تجار من الامريكان  ثم كانت السفينة (بوليسيس ) ثاني سفينة أمريكية القادمة من الولايات المتحدة تصل ميناء المخا وهما السفينتان الامريكيتان الوحيدتان اللتان سمح لهما إمام اليمن بالدخول إلى الميناء.

واعتبرت السنوات 1800- 1840م سنوات ازدهار النشاط البحري الأمريكي فخلال هذه العقود الأربعة حملت السفن الأمريكية من  شتى أنحاء العالم بما في ذلك اليمن ما يقرب من 90% من صادرات او واردات تلك البلاد  وعن تجارة امريكا مع اليمن وفي بداية القرن التاسع عشر نقلت السفن الأمريكية قرابة ثلاثة أرباع اجمالي الإنتاج المحلي من محصول البن والمقدرة ب13  ألف بالة  ولم يكن الإمام المنصور علي (1775-1809 م ) قد اعترف بالأمريكان كأمة في ذلك الوقت  وفي عام 1804م وافق الإمام على إنشاء مركز تجاري أمريكي في المخا وترددت السفن الأمريكية على ميناء المخا معظم سنوات العقد الأول من القرن التاسع عشر  واستطاع بعض قباطنة السفن الأمريكية الحصول على أذن من حاكم المخا آنذاك ليرفعوا علم امريكا على المنزل الذي استأجروه لهذا المركز في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة المخا.

 

ميناء المخا

 لذلك كان المركز التجاري الأمريكي كان الأول من نوعه في اليمن والجزيرة العربية وقد كان سببا في تنامي العلاقات الاقتصادية بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية والتجارية على وجه التحديد إذ اتسعت دائرة التبادل لتشمل إلى جانب البن الجلود والصمغ وبعض منتجات زراعية أخرى  وبعد ذلك أصبحت ظاهرة السفن التجارية الأمريكية في اليمن في مطلع القرن التاسع عشر من الظواهر الاعتيادية حينما كانت المخا تعيش فترة من فترات ازدهارها الاقتصادي كميناء هام على ساحل البحر الاحمر بالمدخل الجنوبي ولقد فُرض على التجارة الأمريكية ضرائب تقدر ب 7% وهي نسبة تزيد عما كان مقررا على التجار الأوروبيين  الأمر الذي دفع حكومات اليمن للترحيب بهم كما دفع الأقبال الشديد من المستهلك الامريكي على البن اليمني وعلى شراء الكميات الكبيرة من البن ونقله إلى بلادهم مما ادى إلى وجود ما يقرب من أحدى عشرة سفينة أمريكية من الحجم الكبير في وقت واحد في ميناء المخا غير ان الامريكيين لم يكونوا محبوبين لدي التجار البريطانيين في الميناء الذين كانوا يعتبرون انهم  انفسهم عليهم التجارة بدفع أسعار عالية للبن لقد حاول الأمريكيين إحراز قصب السبق في تجارة البن مع اليمن على حساب الإنجليز لذلك كانت سفنهم تصل إلى ميناء المخا من اجل شحنها بالبن  طول الربع الأول من القرن التاسع عشر وقد أثر ذلك تأثيرا سلبيا على تجارة بريطانيا في هذه السلعة  ففي اكتوبر سنة 1807م عادت السفينة (مارجريت ) بشحنة كبيرة من البن لا يعرف مقدارها واستطاعت السفينة (فرانكلين) أن تحمل في العام التالي اكثر من 500 ألف رطلا من بن اليمن وبحلول عام 1809م فإن المنافسة الامريكية لأسعار البُن اليمني رفعت الأسعار من 56 دولار للبالة (12 جنية استرليني) إلى 70 دولار (نحو 15 جنية استراليني)  وقد طور التجار الأمريكيين طريق تجارة رأس الرجاء الصالح وقد وفر عليهم ذلك أجور الشحن التي أضيفت إلى الكلفة التجارية التي فرضت من قبل شركة الهند الشرقية التابعة لبريطانيا وكذا من قبل الشركات الفرنسية الموجودة في موريشوس.

 

الحرب الإعلامية

أن السمعة العالية للبن اليمني جعلت كبرى الشركات الامريكية والاوروبية تتسابق لتصدير هذا البن فائق الجودة إلى بلادها وقد حدت ندرة البن اليمني وغلاء اسعاره ببعض تجار البن سواء كانوا من الأوروبيين الامريكيين أو العرب إلى خلط انواع البن اليمني مع بعض الانواع القل جودة  والتي وجدت طريقها إلى الاسواق اليمنية وخاصة سوق عدن وقد صدرت كميات كبيرة من البن من ميناء عدن إلى الولايات المتحدة الامريكية على انه بن المخا وهو في الواقع بن مخلوطا ازو لا يمت بصله للبن اليمني  على الإطلاق وقد أدي هذا التأثير سلبا على حجم تجارة البن المصدر من عدن إلى موانئ امريكا مما حد إلى تناقص التصدير عام 1908م عبر مجموعة (كاراكندا ) وهي احد المؤسسات التجارية المتعاملة بتصدير البن الى امريكا  ولعل الحملة الشعواء التي شنتها الصحافة الامريكية كان لها الاثر الكبير في هذا الانخفاض وذلك بعد التصريح الذي ألقاه أحد اعضاء الكونجرس في حفل عام ان البن المصدر الي امريكا على انه بن يمني نقي غال الثمن ما هو الا بن مخلوط او بن برازيلي اعيد تصديره من ميناء عدن الي نيويورك

 

الأوضاع السياسية

ولكن تجارة البن انخفضت مستوياتها خلال الاعوام (1812- 1815م ) بسبب إعلان الولايات الحرب على بريطانيا ثم عادت للازدهار وانتظمت التجارة بين امريكا واليمن ففي يناير من عام 1819م كان في ميناء المخا أربع سفن امريكية تشحن البن  وأصبحت هذه التجارة شبة منتظمة بين السواحل الأمريكية واليمنية حتى ان هؤلاء التجار كانوا ينقلون ما نسبته 20%- 30% من إنتاج البن اليمني  ولدلاله  على سعه نشاط التجار الامريكيين في نقل البن تجدر الاشارة إلى أنه حتى عام 1822م كان البن اليمني المصدر إلى اوروبا بحرا لا ينقل إلا بواسطة السفن الامريكية  وعلى الرغم من رواج تجارة الامريكيين على السواحل اليمينة وإقبال هؤلاء التجار المتزايد على نقل البن إلى بلادهم إلا ان الحكومة الأمريكية لم تهتم كثيرا بعقد اتفاقية تجارية مع إمام اليمن ويرجع ذلك إلى ضعف سيطرة أئمة اليمن على البلاد – وفي حقيقة كان حكام اليمن يتوجسون من التواجد الأجنبي - وبالتالي تردي الأوضاع السياسية في اليمن منذ بداية القرن التاسع عشر وازدياد نفوذ العثمانيين والبريطانيين قد دفع الحكومة الأمريكية إلى الاكتفاء بما عقد مع سلطان مسقط وزنجبار عام 1933م من اتفاقية تمخض عنها إنشاء قنصلية أمريكية في زنجبار ترعى شئون التجارة الامريكية في المنطقة وعلى الرغم من التنافس الشديد بين التجار الإنجليز والأمريكيين إلا ان البريطانيين نظروا إلى تزايد النشاط الأمريكي التجاري انه خال من الأغراض السياسية وأن وجود التجار الأمريكيين في نهاية المطاف  يخدم مصلحة بريطانيا في مواجهة النشاط الفرنسي المتزايد  ولقد ساعدت اتفاقية مسقط في نقل كميات كبيرة من البن والجلود المدبوغة وغير المدبوغة واللبان حتي انهم نقلوا معظم البن اليمني المطروح في الأسواق اليمنية في عام 1833م.

 

تنافس القوى الاستعمارية

لقد ولد الشعور لدي البريطانيين ان الأمريكيين اصبحوا قوة اقتصادية وتجارية في البحر الأحمر وخاصة في ميناء المخا اليمني وبذؤا ينافسون بقوة ففي 1826م وصلت السفينة الامريكية (آن) محملة بالبضائع من القطن والمسامير والتبغ حيث وصلت إلى ميناء المخا حيث بيعت بضاعتهم عن طريق تجارا يعملون لحساب الأمريكيين ثم قاموا بشحن سفينتهم بكميات كبيرة من البن ونتيجة لذلك بدأت بريطانيا تبحث لها عن موطئ قدم لها غير ميناء المخا بسبب المنافسة الامريكية والصراعات السياسية الداخلية لأئمة اليمن وفي وسيطرة الشريف حمود بن محمد آل خيرات باسم السعوديين عام 1806م على معظم مناطق تهامة بما في ذلك مدينة المخا وسعى هذا الشريف إلى اتخاذ ميناء اللحية كمعبر اساسي لتجارة البن اليمني بدلا من ميناء المخا  كذلك سعى الانجليز من جهتهم الى اتخاذ موطئ قدم لهم بدلا من ميناء المخا وبعد دراسات ومسح للساحل اليمني عبر شركة الهند الشرقية إلى ان عدن هي البديل الانسب  ومع احتلال بريطانيا لميناء عدن  في يناير 1839م نظر لأهميته الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية فتحول النشاط الاقتصادي من ميناء المخا لميناء عدن ونظرا للعلاقات المتميزة بين امريكا وبريطانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على المستوى التجاري والسياسي فقد كانت السفن الامريكية من اكثر السفن القادمة إلى ميناء عدن  وقد ادي ذلك إلى قيام الولايات المتحدة الامريكية 1905م بتعيين قنصل في عدن ( تشارلز موزو ) فأسهم في توثيق العلاقات التجارية الأمريكية بعدن فكثر قدوم السفن الامريكية التي تحمل سلعا امريكية الصنع وتشتري بعض منتجات اليمن مما أدي إلى ارتفاع عدد هذه السفن وبقي القنصل الامريكي في عدن هو القنصل الامريكي  الوحيد في شبة الجزيرة العربية حتي الحرب العالمية الثانية.

 

حصار الحديدة

في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي كانت القنصلية الأمريكية في الحديدة ترعى شؤون التجارة الأمريكية على السواحل اليمنية إلا انه بتزايد اهمية عدن التجارية  بعد فتح قناة السويس 1869م  ومن قبله احتلال بريطانيا لعدن أخذت الأهمية التجارية تنسحب تدريجيا باتجاه عدن وأخذت اهمية الحديدة التجارية تتضاءل حتى غدت القنصلية الأمريكية في الحديدة على الرغم من اعتبارها السياسي المنفصل عن القنصلية الأمريكية في عدن تتلقى التعليمات من القنصلية الامريكية في عدن في جميع القضايا التي تهم التجارة الأمريكية والتي قد تحدث في الحديدة فكل مؤسسات تجارية امريكية لها وكالات في الحديدة إلا وكانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بعدن إذ ان تجارة الحديدة إلى الخارج أخذت تعتمد اعتمادا وثيقا على عدن ولم تكن الحديدة تتاجر مباشرة مع الموانئ الأمريكية من حيث تصديرها للبن بل غن وارداتها من الولايات المتحدة الامريكية والمتمثلة في الحبوب  وريش النعام والقطن وغيره كان ما يقدر بحوالي 60 % منه يأتي عن طريق عدن وما تبقي عن طريق الحديدة نفسها ( وهذه السياسة في الحصار الاقتصادي  تمارس اليوم من قبل دول العدوان على اليمن بخنق ميناء الحديدة وتفريغه من مكانته كميناء للاستيراد والتصدير مما يضر بالاقتصاد الوطني وتحويل صلاحياته لميناء عدن الخاضع للاحتلال كذلك استخدمت هذه السياسية في بداية الستينيات من القرن الماضي ).

 

الارساليات التبشيرية

ونظرا أن الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لبعدها الجغرافي عن المنطقة ولتمسك رؤسائها المتعاقبين خلال القرن التاسع عشر بمبدأ جيمس مونرو بعدم التدخل في الشؤون الأوروبية ولاعتقاد الساسة الأمريكيين بأن منطقة الشرق الأدنى تشكل الدولة العثمانية الجانب الأكبر منها وهي من اختصاص السياسة البريطانية  فكانت علاقة امريكا مع الدولة العثمانية ترتكز على العلاقات التجارية والإرساليات التبشيرية ودورها في أقاليم الدولة العثمانية وموقف الدولة العثمانية منها حيث كان ينظر العثمانيين بتواجد الامريكيين في البحر الأحمر وموانئ اليمن ومن خلال عملهم مع الأقليات بارتياب شديد وبنفس الوقت اعتبروها مصدرا محتملا للدعم الاقتصادي ولذلك كانت الصادرات الأمريكية للدولة العثمانية تزيد عن نصف مليون دولار في حين كانت الصادرات العثمانية كانت تفوق ذلك بأربعة عشر ضعفا.

ومع صعود الرئيس ثيودور روزفلت 1901م  وهو الرئيس السادس والعشرون للولايات المتحدة الامريكية وتبنى برنامجا للعلاقات الخارجية الامريكية من حيث التجارة والحركات التبشيرية وكان من الحزب الجمهوري ومن أتباع الكنيسة الإصلاحية الهولندية  فقبل توليه الرئاسة قد شجع المستشرق الأمريكي صموئيل زويمر من البعثة العربية ومن اتباع نفس الكنيسة الإصلاحية الهولندية المنتمي إليها روزفلت على زيارة اليمن في الأعوام 1892 – 1894م وهذه الزيارة تعبر عن نشاط تبشيري مسيحي في اليمن من الكنيسة الهولندية بدعم امريكي  لذا فقد زار المبشر (تشارلزف ) وزوجته صنعاء عن طريق الحديدة عام 1905م فمكث باليمن فترة قبل مقتله من قبل العثمانيين.

 

السفير الأمريكي

وبعد سنوات من مقتل المبشر المسيحي  كلف قنصل الولايات المتحدة الأمريكية في عدن تشارلز موزر بالقدوم إلى صنعاء عام 1910م والتحقيق في مقتله وقد ذكر انه قتل على أيدي العثمانيين وقد قابله الإمام يحيى حميد الدين ورحب به وساعده على اتمام مهمته ولم يرد ما يشير إلى نتائج التحقيق أو تفاصيل هذه المساعدة , ولكن ذلك يؤشر على الاعتراف الامريكي المبكر بدور الإمام في اليمن قبل صلح دعان 1911م  وأن هذه الزيارة الأولي لمسؤول امريكي لصنعاء عندما كانت لا تزال تحت الحكم التركي  كانت اليمن خلال هذه  الفترة (1905- 1911م)  واقعه تحت السيادة العثمانية ويخوض حربا في اليمن الأعلى بقيادة الإمام يحيى ضد الوجود العثماني في اليمن وقد انتهت هذه الحرب بتوقيع صلح دعان عام 1911م بين الإمام يحيى والدولة العثمانية الذي منح الإمام يحيى بموجبه استقلالا إداريا وماليا معترفا به من قبل الدولة العثمانية لأول مرة وترك للدولة العثمانية مسؤولية الدفاع عن أراضي اليمن في البحر الأحمر والمحيط الهندي والسواحل  في حين كانت الدول الاستعمارية  الأوروبية (بريطانيا العظمي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وهنغاريا وروسيا ) لم ترحب بظهور الولايات المتحدة الأمريكية منافسا جديدا لها بالرغم ان امريكا لم تظهر كقوة استعمارية الا بعد الحرب العالمية الثانية  في حين كانت تنظر الدولة العثمانية إمكانية وجود فرصة للاستفادة من رأس المال الامريكي في مواجهة الطموح الأوروبي  في حين كانت امريكا مستمرة في متابعة حماية البعثات التبشيرية الأمريكية وبقيت المصالح الأمريكية ضمن السياق الثقافي والخيري والتجاري في حين كان يرفض السلطان العثماني بشكل عام تغلغل الثقافة الامريكية في دولتها والاقاليم العربية التابعة لها ومنها اليمن الشمالي.


طباعة  

مواضيع ذات صلة