كواليس المبادرة الأممية .. موقف ثابت ورهانات متعددة

بعد قطيعة دامت قرابة عام كامل وعقب إعلان قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية عن العملية العسكرية الواسعة في محور جيزان .. وصل المبعوث الأممي "مارتن غريفيت" إلى العاصمة

تقرير - طلال هزبر

كواليس المبادرة الأممية .. موقف ثابت ورهانات متعددة

صنعاء حاملاً معه مبادرة جديدة تعددت مسمياتها بتعدد أطراف الصراع على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي وموقف كل طرف منها .. وأياً كانت التسميات فقد تضمنت المبادرة الجديدة التي حملها غريفيت أربعة بنود رئيسية هي :" وقف شامل لإطلاق النار , وفتح مطار صنعاء , وتخفيف القيود على حركة الواردات القادمة إلى ميناء الحديدة , والعودة إلى المشاورات السياسية".

 

فحوى المبادرة

بالنظر إلى ما شهدته وتشهده اللحظة التاريخية الراهنة من تطورات في أحداث ووقائع الصراع والمواجهة العسكرية والسياسية بين شعبنا اليمني ونظامي العدوان والقوى التي تقف وراءها على مستوى الداخل اليمني وفي العمق السعودي وعلى مستوى المنطقة .. لا سيما تطورات أحداث ووقائع معركة تحرير مارب وما حققته قوات الجيش واللجان الشعبية من انتصارات في محور جيزان .. يمكن القول أن مبادرة غريفيت الجديدة ليست وليدة اللحظة وإنما تمثل امتداداً لمبادرات تكشفت كواليسها سابقاً وكان أبرزها مبادرة المبعوث الأمريكي "ليندر كينغ" التي تجسدت أبرز بنودها في المطالبة بإيقاف العمليات العسكرية في مأرب، ووقف الهجمات على الأراضي السعودية، مقابل السماح بدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، والسماح باستئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء الدولي بشرط خضوعها للتفتيش من قِبَل دول العدوان "السعودي – الإماراتي".

مفهوم مطاطي

وفي هذا الإطار فإن المفهوم العائم والمطاطي لبند الوقف الشامل لإطلاق النار الذي تضمنته المبادرة الجديدة لا يزال يعني في حقيقة الأمر المطالبة  بإيقاف هجوم الجيش واللجان الشعبية على مارب وإيقاف هجمات الطيران المسير والهجمات الصاروخية على الأراضي والمنشآت العسكرية والحيوية السعودية

 مقابل فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ويعني في الوقت ذاته محاولة التفاف جديدة على المطالب المشروعة لشعبنا اليمني وإجباره على التخلي عن قضيته العادلة والقبول بالاستسلام.

 وقد تجلى بوضوح من خلال المطالبة بوقف إطلاق النار الشامل الذي جاء في مقدّمة بنود المبادرة الجديدة ، أن الهمّ الرئيس للقوى الغربية وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا لا يزال منحصراً في وقف معركة مأرب، بهدف الحيلولة دون سقوط المدينة بيد الجيش واللجان الشعبية".

كما كان واضحاً أيضاً أن بنود فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود على حركة الواردات إلى ميناء الحديدة التي تضمنتها المبادرة هي بنود مقايضة واضحة من قبل قوى العدوان للملفات العسكرية والسياسية بالملف الإنساني.

موقف واضح

ومن هنا فإن موقف القيادة الثورية والسياسية اليمنية لا يزال هو موقف الرفض للخنوع والاستسلام أو المساومة والمقايضة بقضية الشعب العادلة وفي هذا السياق جاء وصف قائد التورة السيد عبد الملك الحوثي، خلال لقائه غريفيث، لمحاولة الربط بين الملفّ الإنساني والملفّات ذات الطابع العسكري أو السياسي ب "المعادلة غير مقبولة"، مطالباً الأمم المتحدة باتخاذ موقف صريح إزاء هذا الاستحقاق بدلاً من "التماهي مع دول العدوان"، و"أن تقف إلى جانب الشعب اليمني لإدخال الغذاء والدواء والوقود إليه، كحق إنساني تقرّه الشرائع كافة، دون مقايضة أو ابتزاز".

وخلال كلمته التي ألقاها أواخر الأسبوع المنصرم حدد السيد عبدالملك شروط وخطوات تحقيق السلام الحقيقي والعادل ب " وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال " .. داعياً إلى " مواصلة التصدي للعدوان ورفد الجبهات بالمال والرجال ".

حراك دبلوماسي

رغم كشف القيادة الثورية والسياسية لفحوى المبادرة الجديدة لا تزال قوى العدوان ومن ورائها القوى الغربية تقود حراكاً سياسياً ودبلوماسياً إقليمياً ودولياً هادفاً للترويج للمبادرة.

وفي هذا السياق جاءت زيارة وزيرة الخارجية السويدية "آن كريستين ليندا"، للعاصمة العمانية مسقط وجاء تشديدها خلال لقائها بالوسيط العماني، على أن "وقف إطلاق النار هو الإجراء الإنساني الأكثر أهمية، ويجب على الأطراف التعامل مع الأمم المتحدة من دون شروط مسبقة". في إشارة منها إلى موقف صنعاء.

 وبالمقابل جاء رد صنعاء على لسان رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام، خلال لقائه بوزيرة الخارجية السويدية حيث دعا إلى رفع الحصار الجائر عن الشعب اليمني، معتبراً أن "عدم الجدّية في بتّ المتطلّبات الإنسانية، أثبت عدم الجدّية في غيرها".

وفي سياق الترويج السياسي والدبلوماسي الأمريكي والسعودي المحموم للمبادرة الجديدة جاء توجه حكومة الفار هادي إلى موسكو خلال الأيام القليلة الماضية ، وطلب التدخّل الروسي لإحلال ما أسمته "السلام في اليمن".

توجه حكومة الفار هادي نحو روسيا جاء عقب اعتراض الأخيرة في مجلس الأمن على عدد من البيانات التي ترجّح كفّة "قوى العدوان". وعقد عدد من السفراء، لقاءات مع مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، في محاولة لإعادة "تصويب" الموقف الروسي في الاتجاه الذي  يخدم مصلحة قوى العدوان.

على ذات السياق جاءت زيارة بن مبارك وزير خارجية حكومة الفار هادي إلى سلطنة عمان التي قال عنها "أنها تأتي في إطار التشاور والتنسيق بين حكومتي البلدين إزاء كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي المقدمة منها تأكيد الدعم لجهود السلام وللمبادرة الأممية المكونة من أربعة عناصر تشتمل على وقف شامل لإطلاق النار وإعادة فتح مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة أمام المشتقات النفطية وفقًا لاتفاق ستوكهولم ثم العودة للمشاورات السياسية لإحلال السلام وفقًا للمرجعيات الثلاث " حد وصفه.

 وعلى الصعيد ذاته يمكن القول أن وصول وفد عماني رفيع إلى العاصمة صنعاء بمعية أعضاء الوفد اليمني المفاوض برئاسة محمد عبد السلام مطلع الأسبوع الجاري يأتي في هذا الإطار رغم الغموض الذي ما يزال مخيماً على نتائج الزيارة.

 

تحليلات سياسية

إلى ذلك يرى عدد من المهتمين والمتابعين على مستوى الداخل اليمني والخارج الإقليمي أن القبول بوقف إطلاق النار الشامل دون رفع الحصار الاقتصادي يعني توفير الأمن لمملكة العدوان وسلامة منشآتها الحيوية وفي الوقت ذاته استمرار معاناة الشعب اليمني والعيش بلا خبز كاف ولا تعليم ولا دواء ولا كهرباء وبدون مرتبات وأن استمرار الحصار يعني موت ما يقارب مائة ألف طفل سنوياً ومعاناة نصف أطفال اليمن من سوء التغذية وارتكاس ملايين الأطفال في مهب ريح الأمية على طول البلد وعرضها ، وبقاء آلاف العالقين اليمنيين حول العالم.

فيما يرى خبراء سياسيون واقتصاديون أن الخضوع والاستسلام للشروط التي تحاول فرضها قوى العدوان من خلال مبادراتها السياسية الملغومة أمراً لا يمكن أن  يقبل به الشعب اليمني خاصة بعد أن أصبح يمتلك وسائل الردع القادرة على ردع مملكة العدوان.

مؤكدين أن رفع الحصار وفتح المنافذ البحرية والجوية أولوية قصوى ومسألة إنسانية يجب النأي بها عن أي مفاوضات سياسية أو عسكرية.

مشيرين إلى أن سعي الجانب الأمريكي نحو تحقيق ما يسميه إنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن ليس لدواع إنسانية بقدر ما هو خوف من توقف صادرات  إمداداته بالطاقة من ممالك وإمارات الخليج لا سيما بعد أن أصبحت واشنطن تدرك أن بمقدور الجيش اليمني وقواته الصاروخية استهداف منشآت النفط الحيوية في العمق السعودي والإماراتي في أية لحظة.

مؤشرات أولية

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أول مؤشرات الكشف عن حقيقة ما يسميه غريفيت بالمبادرة الأممية وكواليسها الغامضة قد تجلت بوضوح في نفي شركة النفط في صنعاء ومؤسّسة موانئ البحر الأحمر في الحديدة وصول أيّ سفن واردات جديدة ، وتأكيدها عدم تلقّي أي بلاغ بالسماح للسفن المحتجزة بالدخول .. على الرغم من تعهّد الأمم المتحدة، قبل أيام ، برفع القيود المفروضة على شحنات الوقود القادمة إلى ميناء الحديدة، والسماح للسفن المحتجَزة من قِبَل دول العدوان بالدخول إلى الميناء.


طباعة  

مواضيع ذات صلة