الرئيس المشاط يُفحم واشنطن ويعرّي كيانها اللقيط (قراءة في خطاب الصمود والمواجهة)

بينما كانت واشنطن تزفّ للعالم بشرى "عملية جراحية دقيقة" في جسد اليمن المقاوم، خرج الرئيس المشاط ليكشف – بوجه جامد

 

قراءة وتحليل - بشير القاز

الرئيس المشاط يُفحم واشنطن ويعرّي كيانها اللقيط (قراءة في خطاب الصمود والمواجهة)

وصوت مثقل بالثقة – أن ما جرى لم يكن سوى خدش بسيط في نعل مقاتل ما زال واقفًا، يضغط الزناد بيد، وبالأخرى يرفع تقرير فشل البنتاغون ليريه لعالمٍ يضع العدالة في جيب والسفالة في الجيب الآخر.. فما وصفوه بـ"نجاحٍ استراتيجي" لم يكن إلا مسكّنًا إعلاميًا لعجز عسكري، وما سموه "ضربة دقيقة" لم يترك سوى كدمة خفيفة على جبين بلد يعرف كيف يرد... لا بالكلمات، بل بالمسيرات والصواريخ .. تفاصيل في السياق التالي : من على منصة مجلس الدفاع الوطني، لم يكن المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى فقط يخاطب الشعب اليمني في اجتماع الأحد الماضي بل كان يوجّه رسائل مشفّرة إلى البنتاغون مباشرة، وترامب – ذلك الرجل الذي اعتقد أن البحر الأحمر مجرد حوض سباحة أمريكي خاص.. ولكن، كما هي عادة المغرورين، سرعان ما اكتشف أنه يغرق في تلك المياه نفسها التي ظنّ أنها تحت سيطرته، دون حتى سترة نجاة تقيه من الهزيمة، في مشهد أشبه بما تفعله الأمواج بأحلام من لا يحسن السباحة. في مفردات خطابه المدروسة، أعاد المشاط تعريف "التفوق العسكري" من كونه قدرة على القصف إلى كونه عبئا أخلاقياً وسياسياً على المعتدي.. فواشنطن التي كانت تلوّح بحاملات الطائرات كرمز للرعب، باتت تستجدي الانسحاب الآمن من المنطقة بعد أن تحوّلت حاملاتها إلى فزاعات صدئة، تُراقب البحر ولا تجرؤ على الغوص فيه. رسائل دبلوماسية أما على صعيد الرسائل الدبلوماسية، فقد لعب الرئيس على وترين: الأول، تهنئة ضمنية لطهران بتجاوز عنق زجاجة العقوبات، في موقف يشي بتحالفات إقليمية تعيد ترتيب خرائط القوة خارج نفوذ البيت الأبيض؛ والثاني، توبيخ مشفّر للأنظمة العربية التي ما زالت تراهن على "الحماية الأمريكية"، رغم أن ترامب نفسه يهرب من رصاصة وإن كان ثمة صورة تلخص الموقف كله، فإن: "أمريكا التي جاءت لتُرعب، أصبحت تطلب الرحمة الدبلوماسية". سهم حاد اخترق الضجيج الأمريكي في خطابه أيضا لم يكتفِ الرئيس مهدي المشاط بإرسال رسائل تهديد مدروسة، بل قدّم، بلغة الواثق، تقييمًا استراتيجيًا ساخرًا للعدوان الأمريكي على اليمن، حين أعلن أن الأضرار التي لحقت بالقدرات العسكرية اليمنية لم تتجاوز "واحد بالمئة".. رقم يبدو ضئيلًا من حيث الكم، لكنه في الحقيقة ثقيل في موازين الحرب النفسية، ويكفي وحده لتعليق لوحات الفشل على جدران البنتاغون. لم يكن الرئيس المشاط يهوّن من جرائم العدوان الأمريكي بحق المدنيين العزل والبنية التحتية المدنية بل يهوّن من أثره، على القدرات العسكرية ويُظهر أن ترسانة واشنطن الجوية والبحرية، بكل ما تمتلكه من تقنيات "ذكية"، لم تُسفر سوى عن خدش طفيف في جسد مؤسسة عسكرية خرجت أصلًا من رحم الحصار. وفي خلفية هذا التصريح، تقف واشنطن حائرة أمام معادلة : كيف لأمة محاصرة منذ سنوات أن تتلقى هذا الحجم من الضربات ثم تخرج لتسخر من تأثيرها بنسبة لا تتجاوز 1٪...؟ وكيف يمكن لهذا الرقم أن يُحرج أكبر إمبراطورية عسكرية في العالم، ويظهرها وكأنها عجزت عن إصابة العصب، بينما المقاومة اليمنية لم تُفعّل سوى القليل من قدراتها..؟ فمن صنعاء لا تُطلق الخطب فحسب، بل تُطلق الإنذارات – وإذا كانت الـ1٪ فعلت كل هذا، فكيف سيكون المشهد حين تُفتح بوابات الـ99٪..؟ إنها ليست مجرد إحصائية، بل سهم حاد اخترق الضجيج الأمريكي، ووضع مراكز القرار في موقف الدفاع، لا الهجوم. لغة خطاب سياسي وبلاغة طعن في الخاصرة في زمن البلاغة الجافة والبيانات الروتينية، جاء خطاب الرئيس المشاط كمزيج ناري بين قائد عسكري ومحلل استراتيجي ومقاوم يعرف كيف يُشهر كلماته كسكاكين.. فاللغة لم تكن وسيلة إبلاغ، بل كانت أداة صدام وتفكيك .. كل جملة في الخطاب كانت كأنها تُركب على فوهة بندقية.. زاوج الرئيس المشاط بين خطاب تعبوي تعبدي يُغلفه الإيمان الصلب، وخطاب تهكمي ينسف وقار العدو من قاعدته حتى رأسه الأشقر.. لم يقل فقط إن أمريكا معتدية، بل وصف رئيسها بـ"المعتوه"، و"الأحمق"، و"الخاشر في أذنه".. مصطلحات لو قيلت في قنوات عربية لما تجاوزت مقص الرقيب، لكنها في فم الرئيس المشاط تحولت إلى خطاب دولة تُسقط "هيبة الإمبراطورية" على رؤوسها. البلاغة هنا ليست زخرفًا لغويًا، بل سلاح استراتيجي فحين يتحول رئيس دولة محاصَرة إلى ناقد ساخر يقلب صورة أقوى دولة في العالم إلى مسخرة سياسية، فهذا يعني شيئًا واحدًا: أن المعركة الإعلامية لم تعد لصالح الـCNN، بل لصالح الخنادق والمقاومة..بلغة مباشرة: الرئيس المشاط لا يفاوض أمريكا بالكلمات.. بل يهينها بها. مضامين الردع من البحر إلى السماء لم يكن خطاب الرئيس مهدي المشاط مجرد جردة ميدانية أو قصيدة نصر موسمية، بل كان بيان ردع شامل، تقرؤه العواصم بالحروف المشددة: من واشنطن إلى تل أبيب، مرورًا بقاعة عمليات الأسطول الخامس. حيث تحدث الرئيس المشاط عن إخراج حاملة الطائرات ترومان من الخدمة، لا كخبير عسكري فحسب، بل كقائد مقاوم يقول للأمريكي: "حتى حديدك هرم"...لم يعد البحر الأحمر ساحة استعراض لقاذفات B2 ولا لمناورات الناتو، بل صار مستنقعًا تتعثر فيه الغطرسة الأمريكية... كل صاروخ يمني ينطلق من الساحل، يوقظ في البنتاغون سؤالًا وجوديًا: هل ما زلنا نحكم البحار..؟ أما السماء، فكان الحديث حولها عن تجاوز منظومة الاعتراض الكهرومغناطيسي خلال عشرة أيام أقرب إلى صفعة تكنو-عسكرية...هذا الإنجاز ليس تكنولوجيًا فقط، بل هو اختراق لنظرية "تفوق التفوق" التي لطالما اعتمدت عليها أمريكا وكيانها السفاح. ثم تأتي إسرائيل... لا بذكر مباشر، بل بتلويح يفوق التصريح: "ردعٌ متعدد الجبهات"... إذا كانت أمريكا قد تلقت الضربات على مدمراتها، فإن تل أبيب تلتقط الارتدادات...فكل رادار أمريكي مُعطل، هو نقطة ضعف جديدة في القبة الحديدية، وكل مسيّرة يمنية تنجح في عبور البحر، تزرع الهلع في عيون سلاح الجو الإسرائيلي. وأما الاقتصاد، فقد كان له نصيب في الردع: العقوبات على شركات السلاح والنفط الأمريكية... في خطابه، لم يكن الرئيس المشاط يطلب "رفع الحصار"، بل صار هو من يفرض الحرج على أدوات العدوان...بمعنى آخر: لم نعد نرد على الضربات... بل نُسعّرها،ردعٌ لم يعد في حدود الأرض والسلاح فقط، بل في التوقيت والرمزية واختراق المفاهيم...من البحر إلى السماء، ومرورًا بالعدو الصهيوني رسم المشاط خريطة ردع جديدة... لا تحتاج إلى حاملة طائرات، بل إلى خطاب واثق، وصاروخ يُصلي في البحر الأحمر. حين يصبح أمن الداخل سياج الشرف الوطني في خضم المعارك المفتوحة على أكثر من جبهة، لم يغفل الرئيس مهدي المشاط عن جبهة الداخل، بل خصص لها حيزًا استراتيجيًا في خطابه، باعتبارها العمود الفقري للمعركة وأرض التمكين السياسي والأمني. الرئيس المشاط لم يكتفِ بدغدغة مشاعر الانتماء أو بث رسائل الاطمئنان، بل ذهب أبعد من ذلك: أعاد تعريف الأمن، لا كأداة ضبط، بل كسياج للشرف الوطني...كل من يتساهل مع اختراق داخلي، أو يتواطأ مع مشروع الفوضى، يصبح -بلغة الرئيس- "شريكًا في العدوان"، يستحق سيف القضاء أو حكم الإعدام. رسائل صارمة، ولكنها موجهة بلغة مزدوجة: تقديرٌ لمن صمد، وإنذار لمن يتربّص.. فقد أثنى على دور الأجهزة الأمنية في كبح محاولات الاختراق، وحيّا أبناء الشعب الذين باتوا "يبلغون قبل أن يُستهدفوا"، في إشارة إلى أن الوعي الشعبي أصبح خط دفاع لا يقل أهمية عن الطائرات المسيّرة...ولعل الأهم في هذا المحور هو تثبيت موقع السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي كمرجعية جامعة، لا فقط دينية أو سياسية، بل أمنية وعسكرية ووطنية. من جهة أخرى، لمّح الرئيس المشاط إلى أن العدو الأمريكي يراهن على الداخل بعد أن فشل في البحر والجو.. فكل محاولة تسلل، أو خطاب طائفي، أو تحريض إعلامي، ما هو إلا “مقذوف معادٍ” يمر عبر اللسان لا عبر المدفع. وهكذا فإن الداخل، في خطاب المشاط، ليس "جبهة خامسة"، بل الجبهة الأولى التي يُقاس بها منسوب الوعي والاستقرارومن لا يفهم هذه المعادلة، سيفهمها على طاولة القضاء... أو في آخر الطريق، عبر حبل المشنقة. واشنطن تحت صدمة الكوت حديث الرئيس المشاط في كلمته عن صورة امرأة يمنية تشتري الكوت تحت القصف، لم يكن يستعرض مشهدًا دراميًا من مسرحية وطنية، بل كان يزرع في وعي اليمنيين والعرب جميعًا فكرة بسيطة ومرعبة لخصها بلغة المقاوم: "نحن لا نخاف القنابل.. بل نرتب يومنا رغمها". في المقابل، جاءت اللقطة الساخرة حين سخر من ترامب لحظة هروبه من رصاصة "تسعة ملي"..المشاط هنا لم يكن يسخر من شخص، بل من منظومة كاملة: منظومة تُنتج الرعب إعلاميًا، لكنها تنهار أمام أي تهديد واقعي، حتى لو كان صوتًا عاليًا في ممر جانبي. الحرب النفسية التي يقودها اليمن في وجه واشنطن لم تعد تكتفي بإرباك الجنرالات، بل باتت تقتحم عقول المشاهدين... كل خطاب، كل صورة، كل نكتة حتى، أصبحت قذيفة في جبهة الوعي... والولايات المتحدة – التي كانت بارعة في استخدام الإعلام كسلاح ناعم – تجد نفسها فجأة في موقع المتلقي، المرتبك، الذي لا يعرف كيف يرد على صورة امرأة تشتري الكوت بثبات أكثر من ثبات منظومتهم السياسية. المقاومة عقيدة لا موقف لم تكن فلسطين في خطاب الرئيس مهدي المشاط مجرد فقرة تضامنية تُدرج في نهاية الكلام تحت عنوان "الدعم المعنوي"، بل كانت مركز الخطاب، روحه السياسية، وعنوانه الإيديولوجي الأوضح. فالرئيس المشاط لا يرى غزة ساحة منفصلة عن المعركة اليمنية، بل امتدادًا طبيعيًا لجبهة واحدة عنوانها المواجهة مع العدو الأمريكي الصهيوني. ولهذا قالها دون مواربة: "غزة ليست معركة هامشية، بل بوصلة نصرنا المشترك."... جملة قصيرة، لكنها كافية لنسف كل محاولات الفصل بين الميادين، سواءً من باب الواقعية السياسية أو الذرائع الإنسانية وفي هذه المقاربة، تصبح المقاومة ليست خيارًا أو موقفًا ظرفيًا، بل عقيدة متجذّرة في بنية الدولة اليمنية الراهنة.. خطاب المشاط هنا لا يهادن.. لا يُوازن..بل يُقدّم اليمن كفاعل مباشر في معركة التحرر الفلسطيني، ويضع نفسه – صراحة – في مواجهة الولايات المتحدة والعدو الصهيوني، لا في مقام التضامن فقط، بل في مقام الفعل والتأثير والردع...كذلك، كان لافتًا استخدامه لعبارات مثل "معركتنا واحدة"، و"المقدسات تُحمى من صنعاء كما تُحمى من غزة"، ليُعيد هندسة الوعي العربي الذي حاولت دول التطبيع أن تفصله بين الجغرافيا والعقيدة، بين فلسطين و"المصالح القومية"، بين المقاومة والسيادة.. فـ المشاط لم يتحدث فقط إلى الفلسطينيين، بل تحدث عنهم باعتبارهم جزءًا من المنظومة الأمنية والسياسية اليمنية الممتدة.


طباعة  

مواضيع ذات صلة