الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي .. مسيرة وعي وفكر وتغيير لواقع الأمة
غالية حمود الحمادي
إحياء الذكرى السنوية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي له أهمية كبيرة لاستلهام معاني الصمود والتضحية والبذل والعطاء وتعزيز التمسك بالهوية الإيمانية، والمضي على مشروع الشهيد القائد في مواجهة مخططات الأعداء التي تستهدف الأمة في دينها وهويتها .. تفاصيل في السياق التالي :

المشروع القرآني للسيد الشهيد القائد رضوان الله عليه من المشاريع النهضوية التجديدية الموسوعية الشاملة حيث يحتوي على مجموعة من المفاهيم والقيم والمبادئ والأفكار التي أحدثت تحولا كبيرا في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، ويمتلك المشروع القرآني الكثير من الأطر الاجتماعية والثقافية والمعرفية والسياسية التي ساعدته على التحرك في الفضاءات الثقافية والاجتماعية والسياسية وانتقلت به من الإطار النظري إلى الواقع العملي بقيادة السيد العلم عبدالملك بدرالدين الحوثي.
تربية إيمانية جهادية
تحتل التربية موقعا مهما، بل ومفصليا في المشروع القرآني سواء التربية الإيمانية أو الجهادية وتتوزع مفاهيمها ومبادئها وموجهاتها في أكثر من 64 ملزمة ومحاضرة للسيد الشهيد القائد، وقد أنتجت تلك التربية وعيا قرآنيا صنع مواقف وبطولات الآلاف من المجاهدين والمؤمنين الذين سطروا ملاحم التمكين والنصر خلال 10 سنوات من العدوان على بلادنا، وقبلها خاض المؤمنون الأوائل بموجب هذه التربية 6 حروب اجترحوا خلالها دروس في الصبر والجهاد وتحقيق الانتصارات، فكانت مفاهيم الجهاد والصبر والإحسان و الإيثار والتضحية والإنفاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير حاضرة في كل المراحل كواقع عملي وهو ما قاد سابقا ولاحقا إلى إحراز النصر الإلهي .
كما أن تلك التربية المرتكزة على القرآن الكريم وعلى المعلم التربوي الاول الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم وعلى التراث التربوي لأعلام الهدى من آل البيت عليهم السلام وعلى المشروع القرآني للسيد الشهيد القائد تشكل مصدرا ومدخلا في تكوين الوعي التربوي وفي رسم موجهات وأسس تربية المجتمع وإعداده الإعداد اللازم لمواجهة مشاريع اليهود والنصارى الهادفة إلى تدمير أخلاق وقيم وتقاليد المجتمع المسلم وخلق وعيا تربويا ماديا وضعيا مغايرا للتربية القرآنية.
العنوان الأبرز للتثقيف القرآني
تظل محاضرات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي العنوان الأبرز والمدخل الرئيس لتأصيل التربية القرآنية وتجذيرها في الوعي وفي الواقع بالعودة إلى النماذج القرآنية والتراث النبوي أو في إحياء التراث التربوي لأعلام الهدى من آل البيت عليهم السلام وفي المقدمة منهم الإمام علي عليه السلام .
وعلى الرغم من أن عشرين عاما مضت على ارتقاء الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، إلى رحاب الخالدين فقد أرست محاضراته مشروعا قرآنيا عمليا أحدث الكثير من التحولات على مستوى اليمن، وبات اليوم يغير المعادلات على المستوى الإقليمي والدولي، لم يكرس الشهيد القائد حياته من أجل غاية دنيوية أو مشروع يعود عليه بالمال أو يحقق له الجاه كما هو حال الكثير من الزعماء والقادة، بل كرسها من أجل إعادة بناء الأمة وفق أسس صحيحة من خلال ربطها بالقرآن الكريم ونهج الإسلام القويم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون تحريف أو تلبيس.
صفات وسجايا الشهيد
نشأ السيد حسين رضوان الله عليه وترعرع في رحاب القرآن الكريم وعلوم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم فنهل من ذلك المعين الصافي النقي وتعلم من أبيه العلّامة السيّد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي العلم والعمل معاً والشعور بالمسؤولية تجاه أمته ومنذ نشأته المبكرة كان رضوان الله عليه محل إعجاب كل من عرفوه، لما كان يتصف به من كرم وسخاء وشجاعة وتواضع، وحكمة ومعرفة وبحر من العلم، وبعد نظر، وغيرها من الصفات والسجايا الحميدة التي اتسم بها الشهيد القائد وخلدت ذكره عند كل من عاشوا معه وصاحبوه في مختلف مراحل حياته.
التحرك الفاعل للشهيد
وضع الشهيد القائد جميع المعارف ولا سيما الثقافة القرآنية في سياق الحركة الجادة والتحرك الفاعل والمثمر، والدفع الحثيث بالأمة إلى ما يجب عليها القيام به تجاه أعدائها، وكذا بناء الفرد والمجتمع على أسس صحيحة تنبني على التربية والثقافة القرآنية التي كان يشدد عليها في كافة دروسه ومحاضراته، كما عمل مع والده ومجموعة من العلماء على إنشاء المدارس التعليمية لنشر الوعي وتحصين المجتمع، من خلال الوعظ والإرشاد الواعي في العديد من المديريات والمحافظات.
تأمل السيد حسين بدر الدين الحوثي كثيرا في واقع الأمة وبدأ يبحث ويدقق مستفيدا من تجارب الماضي وما الذي أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه، ومن خلال تعمقه وفهمه للقرآن الكريم أدرك الداء الذي جعل الأمة خاضعة لليهود والنصارى، والمتمثل في الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة التي جاءت من خارج كتاب الله وعترة رسوله صلوات الله عليه وعلى آله.
كان يؤكد أن قراءة القرآن بتدبر وتمعن إلى جانب قراءة أحداث الحياة وسلوكيات الناس ونفوسهم قراءة سليمة هو ما يساعد الإنسان على إدراك المخاطر التي تحيط به وبالأمة الإسلامية، ولطالما حث الشهيد القائد على ضرورة أن تكون كافة الأعمال مرتبطة بالقرآن الكريم، وعناوين الثقافة القرآنية، لأن القرآن جعله الله نورا وهدى وموعظة، وجعله في نفس الوقت مرتبطا بكل شؤون الحياة.
علاقة ارتباط قوية بالله
كان السيد حسين عظيم الثقة بالله تربطه بربه علاقة قوية، كما كان يعرف أن من أكبر أزمات الأمة عدم ثقتها بالله كما ينبغي، وأن الإنسان عندما ينطلق متسلحا بالثقافة القرآنية، تتكون لديه حصانة ضد الثقافات الغربية والأجنبية المخالفة للإسلام وقيمه السامية، ويكون قادرا على فهم واقعه ومن ثم التحرك لتغيير الواقع السيء، على أساس من هدى الله وإرشاداته ونهج نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن يقرأ دروس وملازم الشهيد القائد يجد أنه تناول مجمل تفاصيل الحياة، ويدرك أنه كان يمتلك نظرة واعية وحكيمة في كل شيء، وجديراً ومؤهلاً بأن يؤتيه الله ما آتاه من العلم والحكمة والبصيرة والوعي والقدرة على القيادة كثمرة لما كان يحمله من مؤهلات القيادة والإحسان والشجاعة والمروءة والكرم والرحمة بالناس والثقة القوية بالله والاستشعار للمسؤولية والإخلاص والوفاء في العمل من أجل خدمة الأمة وصلاحها لتكون بمستوى النهوض بالمسؤولية.
صرخة الحق والعزة
في السابع عشر من شهر يناير 2002 أعلن السيد حسين بدر الدين الحوثي صرخة الحق والعزة والكرامة "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" ليعلن ولادة فجر جديد لا مكان فيه للذل ولا للهوان ولا للخوف والاستكانة والخنوع، وبإطلاقه للشعار فتح الشهيد القائد باب العزة والحرية والمواقف المشرفة التي كانت كفيلة بأن تعيد للأمة مجدها وسيادتها وتحررها من الهيمنة والوصاية والاستغلال والتبعية، وتخلصها من حالة الخنوع لأعدائها وما أن صدح بالصرخة في وجه الأعداء والمستكبرين، حتى تم مواجهتها بحرب إعلامية لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية، من أجل تشويه المسيرة القرآنية والكذب والدجل والافتراء وقلب الحقائق، ثم العمل الجاد على التقليل من أهمية ما حققته المسيرة القرآنية من مواقف مشرفة وانتصارات في كل المستويات.
كما بدأت بعد ذلك رسائل التهديد والوعيد تتوالى على السيد حسين من النظام الحاكم بضرورة التخلي عن الشعار، وما ترافق معه من التربية القرآنية أو سوف يشن عليه الحروب الدموية التي تعرض لها لاحقا، إلا أن السيد حسين رضوان الله عليه كان أكبر من تلك التهديدات، وثقته الكبيرة بالله جعلته قويا في مواجهة التحديات فلم تهزه التهديدات ولم يثنه الوعيد بل ازداد إيمانا ويقينا وثباتا على مبدئه، ورغم ذلك كان حريصا على أن يفهم الجميع صحة موقفه وأن هذا العمل هو الوحيد الذي سينقذ البلد من مؤامرات الأمريكيين، وكان يؤكد أنه ليس من مصلحة أحد أن يقدم نفسه كمدير قسم شرطة لدى الأمريكيين، وأكد لرأس النظام آنذاك أنه إن فعل ذلك فلن يكون مصيره أقل من مصير غيره من الزعماء الذين ضحوا بشعوبهم إرضاء لأمريكا فجازتهم بالتنكر لكل أعمالهم وتخلت عنهم وضربتهم في الوقت الذي قد كرهتهم شعوبهم.
شعور كبير بالمسؤولية
كان الشهيد القائد شديد الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه مجتمعه المحلي ومجتمعه الإسلامي الكبير، فكان حريصا على أن يبين للناس أن المرحلة التي يعيشها المسلمون، هي مرحلة خطيرة تقتضي أن تكون هناك رؤية عملية تقدم للناس ليتحركوا من خلالها وكانت رؤيته العملية قائمة على قضيتين أساسيتين أولهما شعار الصرخة والبراءة من أعداء الإسلام، والثانية مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كواجب ديني، وضرورة تتطلبها المرحلة وتحتاجها الأمة لتذوق من خلالها طعم العزة والحرية وخصوصا بعدما فقدت الأمل في الأحزاب بكل أنواعها دينية وقومية وعلمانية وسئمت حالة الذل والهوان، واليأس والإحباط التي كانت مسيطرة على واقعها.
الأسس الأولى للمسيرة القرآنية
قاد السيد حسين رضوان الله عليه أعظم ثورة فكرية على الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة التي تؤسس وتشرع للطغيان والظلم، وثار على الثقافات المنحرفة التي أوصلت الكثير من الطواغيت إلى سدة الحكم، وكانت تلك هي الثورة الحقيقية والناجحة والمحصنة من أي اختراقات.
اتجه الشهيد القائد لبناء أمة لا تقبل بالطواغيت ولا تنخدع بهم، ولا مكان فيها للأفكار المنحرفة التي أوصلت المجرمين إلى سدة الحكم ليتحكموا على رقاب الأمة ويسومونها سوء العذاب حتى وصل بهم الأمر إلى أن يبيعوا كرامة وعزة وحرية وثروات شعوبهم لأعداء الأمة أمريكا وإسرائيل، وأن يجعلوا من أنفسهم أدوات قذرة بيد الأعداء لقهر وإذلال شعوبهم، واعتقد من حاولوا القضاء على مشروعه العظيم أن استهدافهم للشهيد القائد سيكون كفيلا بإنهاء ما كان قد بدأه وكرس حياته من أجله في إطار مسيرة قرآنية حافلة بالجهاد والعطاء والتفاني في نصرة المستضعفين من أبناء الشعب اليمني والأمة بشكل عام، فعلى الصعيد الفكري والثقافي فقد بدأ تحركه العلمي والثقافي، ضمن منهجية قرآنية لبناء وتأسيس الأطر الأولى للثقافة القرآنية.
وفي نهايــة عــام (2001) بدأ شهيد القرآن -رضوان الله عليــه- يســلط الضــوء علــى هــذه الثقافــات المغلوطــة والعقائــد الباطلــة، فقــام بتدريــس مجموعــة مــن الطــلاب -بداية فــي منزلــه، ثم فــي مدرســة الإمــام الهــادي “عليــه الســلام” بمــران- بعــض الكتــب العلميــة دراســة نقديــة تحليليــة ليوضــح الخلــل الــذي أوصــل الأمــة إلــى مــا وصلــت إليــه.
واسـتمر علـى هـذه الحـال حتـى وفقـه الله إلـى هـذا المشـروع القرآنـي العالمـي بعالميـة القـرآن الكريـم، والـذي يمثـل الهويـة الجامعة، متجاوزا بـه الأطـر المذهبيـة والجغرافية، وكانت بداية المشـروع القرآني ثقافيـاً في محاضـرة (يـوم القـدس العالمـي) [بتاريـخ: 28 رمضان 1422هـ] التي وضع فيها الأسس الأولى للمسيرة القرآنية المباركة.
من أقوال الشهيد القائد
يقول شهيد القرآن -رضوان الله عليه- : ((يجب أن نرتبط بالقرآن الكريم من جديد، ونتعلمه، ونعلم أبناءنا وبناتنا ونساءنا، ونكثر من تلاوته، ونهدي مصاحفه لبعضنا البعض وأشرطة تلاوته، نتحرك في إطار أن نشد أنفسنا إلى القرآن من جديد، وأن نرسِّخ قدسيته ومكانته وعظمته في نفوسنا من جديد؛ لأن القرآن هو من لو لم يكن من عظمته وفضله إلا أنه يكشف الحقائق أمامنا، لا يمكن لأي كتاب في هذه الدنيا أن يريك الحقائق ماثلة أمامك)).
ويقول شهيد القرآن “رضوان الله عليه”: ((قد نتوقع ببساطة تفكيرنا أنه إذا سكتنا أفضل نسكت قد نتوقع أنهم سيسكتون، لا، السكوت سيدفعهم إلى أن يعملوا للحصول على تنازلات كثيرة أخرى، ويعملوا ليصلوا إلى ضرب أشياء أخرى، لن يسكتوا، يجب أن نفهم هذا، لن يسكتوا، ولن يتوقفوا إلا متى ما تحركنا نحن وصرخنا في وجوههم، سيسكتون وسيتوقفون، أمَّا إذا سكتنا فالخطورة هنا، الخطورة البالغة هنا، بعض الناس قد يقول: [نسكت، لا نكلف على أنفسنا]، إن السكوت هو الخطورة، لو كان السكوت من ذهب -كما يقولون- لما تحدث القرآن الكريم عن الجهاد، عن التضحية، عن الاستبسال، عن انفاق الأموال، عن التواصي بالحق، أليس القرآن كله حركةً وكلاماً، أم أنه صمتٌ وجمود؟ كله حركة، كله كلام، فعلاً قد يكون السكوت من ذهب ليذهب كل شيء، إذا سكتنا سيذهب ديننا، وستذهب كرامتنا، ونذهب -ونعوذ بالله- إلى الجحيم في الأخير، يذهب الناس إلى الجحيم))، ويقول أيضا: ((نتحدث بروحية من يفهم أنه طرفٌ في هذا الصراع، ومستهدفٌ فيه شاء أم أبى، بروحية من يفهم بأنه وإن تنصَّل عن المسؤولية هنا، فلا يستطيع أن يتنصل عنها يوم يقف بين يدي الله)).
الارتقاء شيهدا إلى الله
في مثل هذا اليوم من الشهر، في السادس والعشرين من شهر رجب، ارتقى شهيد القرآن السيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” شهيداً، سعيداً، فائزاً، في عدوانٍ ظالمٍ جائرٍ استهدفته به السلطة الظالمة آنذاك؛ استرضاء منها لأمريكا، استمر ذلك العدوان ثلاثة أشهر باستثناء أربعة أيام، وبإشرافٍ وتحريضٍ أمريكي، وكانت تلك هي الحرب الأولى التي تلتها حروبٌ مستمرة ومتتالية ضد المشروع القرآني الذي تحرك به شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”.
فعلى مدى ثلاث سنوات قدَّم شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” مئات المحاضرات، والكلمات، واللقاءات، والجلسات، وهو يتحدث بشكلٍ تفصيلي؛ لفضح مؤامرات وخطط الأعداء، وتقييمهم، وكشفهم، وتعريتهم من خلال القرآن الكريم، والوقائع والأحداث، وأيضاً لتقديم الحلول والرؤى التي تغيِّر واقع هذه الأمة، وترتقي بهذه الأمة لتكون في مستوى الوعي العالي جداً تجاه مؤامرات الأعداء، ولتكون في إطار الموقف والفعل والعمل في التحرك ضد أعدائها، لتدفع الشر عن نفسها، لتدفع الخسران في دنياها وآخرتها عن نفسها، وهذه ميزة عظيمة للمشروع القرآني.