القدس .. بين مخططات التهويد ومشاريع الاستيطان

الوجود اليهودي في القدس غريب عنها وعن طبيعتها , تشهد بذلك شوارعها وأسواقها وأزقتها وكل حجر فيها , ولكن اليهود يحاولون طمس هوية المدينة وسعوا ولا يزالون إلى تنفيذ مئات مخططات التهويد ومشاريع الاستيطان بهدف إخفاء الآثار الإسلامية وطمسها ومحو طابع المدينة العربي الإسلامي..

القدس .. بين مخططات التهويد ومشاريع الاستيطان

تقرير- علي الشراعي

فمنذ العام 1948م , يعمل الصهاينة على تهويد مدينة القدس وطرد أهلها , معتمدين شتى صنوف الاضطهاد والتضييق والتنكيل وتدمير الأحياء وبناء المستوطنات , فالقدس  المدينة التي ترزح تحت عبء الاحتلال  الصهيوني منذ 76 عاما والذي يمعن فيها هدما وتمزيقا وافتراء على الهوية والتراث والتاريخ , وزرعا لتاريخه المزور في زواياها ومحيطها وقراها وأمكنتها .

إجراءات متعددة

يتبع الكيان الصهيوني العديد من الإجراءات لتهويد القدس ففي كل مفاوضات السلام ومشاريعه المطروحة يصر الكيان الصهيوني الغاصب على تأجيل موضوع القدس وكذلك الحدود وحق العودة إلى المرحلة النهائية , وتأخير البحث حولها باستمرار. ويتقصد الكيان عزل القدس عن كل طرح أو حوار أو تفاوض والتعتيم عليها إعلاميا في الوقت الذي يعمل فيه ليلا ونهارا على فرض وقائع جديدة على الأرض لا يمكن تجاوزها تطمس هوية المدينة العربية وتغير واقعها وتاريخها وتشوه أصالتها . فمن عمليات استعمار واستيطان إلى التغيير الديموغرافي والسكاني والبنائي , وتهويد الأسماء والساحات والأحياء والشوارع وتفريغها من كل مضامينها الحضارية والتراثية العربية والإسلامية . كما يقفل الكيان الصهيوني المؤسسات الوطنية الفلسطينية أو يحاصرها , ويختزل أعداد المدارس ويشل أعمال مؤسسات الأوقاف ويفرض الفراغ والخواء على ثقافة المقدسيين عبر حذف كل ما يؤكد أو ينمي ثقافة التحرر والصمود والمقاومة والهوية الأصلية أو يربطها بتاريخها . إلى جانب تضخيم الأزمات الحياتية والمشاكل الفردية للسكان المقدسيين من فرص العمل ومجالات العيش  إلى المشاكل الصحية والتعليم ومعالجة مشاكل الفقر بشكل فردي بحيث ينصرف المقدسي تلقائيا عن التفكير والاهتمام بالقضايا العامة والوطنية .

 

سياسة التهجير

يعتمد الكيان الصهيوني على هدم آلاف البيوت وإضافة جدار عازل وإخراج الأحياء العربية المكتظة من حدود المدينة وضم الكتل الاستيطانية إلى القدس . فهدم المنازل سياسة ثابتة ويومية لتهجير المقدسيين , وكذلك احتلال بعضها من قبل المستوطنين , وطرد أهلها على مرأى من العالم , ورغم كل القرارات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان  . ومنذ عام 2000م , حتى  2010م , هدمت سلطات الاحتلال أكثر من 700  منزل وتهدد أكثر من  12 ألف منزل بالهدم . وإمعان في تقطيع أوصال المدينة المقدسة تنشر قوات الاحتلال عشرات الحواجز الأمنية حول القدس , وفي مفاصلها وطرقاتها , مانعة تواصل الفلسطينيين فيما بينهم وبين إخوانهم في كامل الضفة الغربية . وبعض هذه المعابر تحولت إلى معابر دولية تحتاج إلى تراخيص مسبقة لعبورها . ثم هي تبتز المقدسيين في بطاقات الإقامة ( البطاقات الزرقاء) التي يجب أن تجدد كل 10  سنوات بناء على إثباتات كشوف الضريبة وفواتير الضمان والماء والكهرباء . وإذا فشل المقدسي في إبراز ذلك يسقط حقه في الإقامة في مدينة القدس ويطرد منها . وهكذا تمكنت سلطات الاحتلال من طرد 6000  رب أسرة مقدسي . و فقدت أسرهم  حق الإقامة في القدس أكثر من (20000) من سكان المدينة . كذلك تمثل الحواجز الأمنية والمعابر قمة الإذلال والمعاناة للمقدسيين خاصة والفلسطينيين عموما . وبين القدس والمسجد الأقصى المبارك والسكان الفلسطينيين في القري المجاورة والبلدات المحيطة . إذ يمعن العدو المحتل في التعامل المذل والباعث لليأس على حواجزه لكي يسمح للفلسطينيين بالمرور .وبقضي المواطنون نساء وشيوخا وأطفالا وعمالا وطلابا , أصحاء أو مرضى ساعات طويلة في حر الشمس أو قر البرد وتحت المطر والرياح وكل هذا اعتداء على حقوق الإنسان وقيمته وكرامته .

رصد الميزانيات

عروبة القدس لا تحتاج إلى إثباتها بالدليل لأنها جزء عريق من تاريخ مدينة القدس التي لم تعرف التهويد إلا في هذا الزمن الذي أصبحت فيه القوة الغاشمة لليهود ومن خلفهم أمريكا , والتي تفرض نفسها على الأرض وتحاول بالأمر الواقع أن تفرض نفسها على التاريخ . ومن إجراءات التهويد لمدينة القدس رصد ميزانيات مالية حيث يخصص الكيان الصهيوني ميزانيات ضخمة ومبالغ طائلة لتهويد مدينة القدس بشكل عام ومحيط المسجد الأقصى المبارك تحديدا وإقامة المستعمرات والمستوطنات التي تحوي عشرات الآلاف من الوحدات السكنية والمرافق الصحية والتعليمية والأسواق والحدائق والطرقات والمؤسسات الرسمية والكنائس والمدارس والجامعات اليهودية . والتي تتطلب كلها عشرات المليارات من الدولارات الامريكية توفرها لها هبات ومساعدات الولايات المتحدة الامريكية  والتي تتجاوز وحدها العشرين مليار دولار أمريكي سنويا , كذلك تعويضات ألمانيا وتبرعات المئات من المؤسسات اليهودية الصهيونية في امريكا والغرب إلى جانب عشرات الصناديق الصهيونية وآلاف من أثرياء اليهود الصهاينة في العالم .

 

فكرة الحق اليهودي

تهدف الاستفزازات والاقتحامات اليومية للمستوطنين اليهود الصهاينة  المجيشين والمدفوعين من قبل السلطات الصهيونية والمحميين من قبل أمنها وشرطتها للمسجد الأقصى المبارك وحرمه إلى تثبيت فكرة مزعومة حول حق اليهود في أرض المسجد المبارك وحرمه وجواره وأنه أقيم على أنقاض هيكلهم البائد المزعوم . وأيضا حتى يتقبل المسلمين ذلك تمهيدا لما هو أهم عندهم وهو هدم المسجد الاقصى المبارك , ولذلك يصر الصهاينة على دخوله رسميين أو سواح أو جماعات متطرفة ليصلوا في نهاية الأمر إلى تنفيذ مخطط تقسيم الحرم إلي مساحتين ينفردون بإحداهما لبناء هيكلهم عليها . مع أن مدينة القدس مشمولة بحماية القانون الدولي على اعتبار أنها أرض محتلة يحظر تغيير طبيعتها أو وضعها بموجب عشرات من القرارات الدولية

مخططات التهويد

يقوم الكيان الصهيوني في سياق تهويد مدينة القدس على العديد من المخططات بمختلف المجالات هدفها طمس كل معالمها وآثارها وثقافتها وهويتها و لكل ما هو ثراث  حضاري إسلامي أو حتى مسيحي ومن تلك المخططات التهويدية :

1- بناء الحدائق التلمودية في البلدة القديمة وحول المسجد الأقصى , والأدهي والأمر أنهم يبنون كثيرا من تلك الحدائق فوق آثار ومعالم إسلامية ليطمسوها ويخفوا وجودها .

2-إزالة بعض حجارة المدينة القديمة ويضعون مكانها حجارة جديدة يحفرون عليها نجمتهم السداسية , كما يظهر على أحد مداخل البلدة القديمة عند باب النبي داود عليه السلام .  و يشير محمد وصفي جلاد مؤلف كتاب ( كيف ننصر المسجد الأقصى المبارك ) بخصوص النجمة السداسية إنها هي في الأساس شكل زخرفي استخدمه المسلمون والهنود وغيرهم قبل اليهود , ولم يتحول هذا الشكل إلى رمز ديني لليهود إلا في فترات متأخرة . ويراهن اليهود على قاعدة : سيموت الكبار وينسى الصغار .

3-الإكثار من بناء الكُنس اليهودية في محيط المسجد الأقصى . ومن تلك الكُنس - على سبيل المثال لا الحصر - كُنيس ( الخراب)والذي يقع على بعد مسافة بسيطة من المسجد الأقصى المبارك . وايضا كنيس ( قدس النور) الذي يخطط اليهود لإقامته بجانب حائط البراق بحيث يكون ملتصقا بسور المسجد الأقصى المبارك ومطلا عليه . وكنيس ثالث يسمى ( جوهرة إسرائيل ) الذي يقوم على أنقاض مصلى إسلامي تمت مصادرته سابقا , ويبعد هذا الكنيس 200 مترا عن المسجد الأقصى المبارك . والهدف من بناء هذه الكنس هو تهويد المشهد المقدسي العام , ومحاولة التشويش على عظمة العمران الإسلامي والمسيحي في القدس خصوصا المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة . وقد أكدت دراسة إحصائية أعدها طاقم البحث الميداني في ( مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ) أن سلطات الاحتلال الصهيوني عملت على تطويق المسجد الأقصى المبارك ومحاصرته وخنقه بنحو مائة ككنيس ومدرسة تلمودية . ( تقرير حال اقدس , رقم 4 , خلال الفترة من اكتوبر- ديسمبر 2012م , الصادر عن مؤسسة القدس الدولية )

4- تغيير أسماء الشوارع والأماكن حيث قامت بلدية الاحتلال في مدينة القدس بتبديل أسماء 43 شارعا ومكانا عاما في المناطق الغربية إلى أسماء تهويدية , كما صادقت على تبديل أسماء 141 موقعا آخر

5- الاعتداء على المقابر الإسلامية ونبش القبور وخاصة مقبرة ( الرحمة ) ومقبرة (مأمن الله ) بهدف طمس كل ما هو إسلامي وعربي . حيث تعرضت كقبرة مأمن الله للعديد من عمليات الاعتداء ونبش القبور وتكسير الشواهد , فضلا عن هدم أكثر من مائة قبر فيها في عام 2011م , وإقرار مشاريع لبناء متحف فوق أجزاء منها وموقف للسيارات فوق جزء آخر.  وفيما يخص مقبرة الرحمة الملاصقة للسور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك لم تسلم هي الأخرى من اعتداءات اليهود , ولعل أخطر ما يتهددها هو مشروع القطار الهوائي ( التلفريك ) والذي سيؤدي لاقتلاع أجزاء كبيرة من مقبرة الرحمة , حيث إقامة تلفريك يصل بين جبل الزيتون ومنطقة المسجد الاقصى المبارك , ولتكون  كمدخل رسمي لمعبدهم الذي ينوون إقامته على أنقاض المسجد الاقصى المبارك .

إزاء كل هذه المخاطر المهددة لهوية القدس , وفظاعة المخططات الموضوعة من قبل المحتل لاستلاب تاريخها , ولغرض أطماعه وأساطيره وخرافاته على وجدانها وتراثها وجغرافيتها , تصاغر الجهد العربي وتقاعس عن أن يكون في مستوى التحدي ومجابهة الخطر . مع أن بعض الجهد قد بُذل وبعض المال قد صُرف وبعض العون قد ظهر . في هذا الصدد يقول الكاتب المقدسي خالد الغول : ( بالنظر إلى المخاطر الجسيمة التي تتعرض لها مدينة القدس , والتحديات التي تضعها أمام أسئلة الوجود والمصير والاحتمال , وتضعها على محك الهوية والمعني  , وبالنظر إلى المستوى المتدني من الاهتمام بالمدينة , ومدى التجاوب الفلسطيني والعربي والإسلامي والإنساني الفعلي مع نداء المواجهة للإبقاء على وهجها وحضورها , فإن الحديث عن التمسك الأبدي بها , والاستعداد لبذل كل ما هو غال ونفيس من أجل حمايتها وصيانتها يبقى مجرد كلام في الهواء , وتملق خاو تذروه الريح )


طباعة  

مواضيع ذات صلة