العدوان الأمريكي على اليمن .. المفهوم والأسباب والأهداف (3-2)

عقب خسارتها في العراق وأفغانستان، وما تلا ذلك من عمليات مقاومة حققت نتائج كارثية في الميزان الأمريكي، لجأت واشنطن

خاص - صحيفة اليمن - د علي الرحبي

العدوان الأمريكي على اليمن .. المفهوم والأسباب والأهداف (3-2)

إلى توظيف قُدراتها وتفوقها التكنولوجي في سياق التأثير المُتمثل بتحقيق السيطرة والهيمنة والنفوذ، دون الحاجة إلى أي عمل عسكري، ليكون الانتقال من الحرب الصلبة أو الخشنة، إلى الحرب الناعمة التي تتميز بقلة التكاليف وانعدام الخسائر أو باستخدام أدواتها للقيام بأعمال عسكرية كما هو حصل في العدوان الغاشم على وطننا اليمني الذي كشف حقيقته السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب متلفز على قناة المسيرة مساء الثلاثاء 16 يونيو 2015م بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك ، حيث أوضح السيد أن هذا العدوان هو أمريكي صهيوني وما النظام السعودي وحلفاؤه سوى أدوات لتنفيذ مخططات "أمريكا وإسرائيل" التدميرية للمنطقة ، وأشار إلى أن العدوان، يترجم مطامع أمريكا وإسرائيل في موقع الیمن الجغرافي الاستراتيجي، والجزر اليمنية المهمة بين البحر الأحمر والبحر العربي ، لا سيما بعد تصريح الرئيس الأسبق لهيئة الأركان العامة لجيش العدو الإسرائيلي "بيني غانتس" أن مسألة باب المندب تعتبر بالنسبة لتل أبيب أخطر من النووي الإيراني مضيفاً علينا تعزيز قدراتنا لمواجهة التطورات في المستقبل".

 كانت تطورات أحداث العدوان على مدى ستة أعوام كفيلة بكشف حقيقة أن العدوان على اليمن أمريكي بالدرجة الأولى وتجلى ذلك بوضوح من خلال مطالبة كثير من أعضاء الكونجرس بإيقاف الحرب في اليمن وكذا من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن مشاركة بلاده في العدوان , ومن خلال إعلان السفير السعودي عادل الجبير في 26 مارس 2015م العدوان على اليمن من واشنطن.

كل تلك الأمور تجعل الإدارة الأمريكية مسؤولة جنائياً عن المجازر الإرهابية التي ارتكبتها طائرات العدوان والضحايا والأضرار الناتجة عن أعمال القصف والتدمير والقتل والحصار بحسب القوانين والأعراف الدولية.

 

مفهوم العدوان

تعريف العدوان بحسب الجمعية العامة للأمم المتحدة:

أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية جلستها العامة رقم 2319 المنعقدة بتاريخ 14 ديسمبر 1967م، بإقرار نص تعريف العدوان الذي وضعته واعتمدته اللجنة الخاصة بتعريف العدوان، والتي تم إنشاؤها بتاريخ 18 ديسمبر 1967م، عملاً بالقرار 2330 (د – 22) للجمعية العامة.

 كما أنها وجهت نظر مجلس الأمن إلى تعريف العدوان وأوصت بمراعاة هذا التعريف كدليل يهتدى به عند البت في أمر وجود عمل من أعمال العدوان، وقد جاء تعريف العدوان في النص كما يلي:

- في المادة (1):(العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة.)

- في المادة (5): ( البند (1). ما من اعتبار أيا كانت طبيعته، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو غير ذلك، يصح أن يتخذ مبرّراً لارتكاب عدوان. واستناداً إلى توضيح التعريف، فإن وجود دولة بادئة بالهجوم المسلح كفيلة بتعريف صميمي لعملية العدوان).

- في المادة (3) : (تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه، وذلك دون إخلال بأحكام المادة (2) وطبقا لها:

– قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري- ولو مؤقتا- ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة.

– قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى.

– ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى.

 

تعريف العدوان بحسب المحكمة الدولية:

يتلخص جوهر العدوان بحسب المحكمة الدولية في ضم أو اغتصاب أرض الغير، ونهب واستعباد الشعوب الأخرى، وإبادة السكان المدنيين الآمنين بالجملة وإبعادهم وتهجيرهم.

تعريف العدوان بحسب الشريعة الإسلامية:

حرم الله الظلم وحرم قتل النفس وحرم الاعتداء ـ وحتى في حالة الحرب- فقد حرم قتل الأطفال والنساء، كما حرم قطع الشجر والثمر، وحرم تدمير البنيان والمساجد.

غير أن من يدَّعون أنهم حماة الدين والإسلام خالفوا كل قيم الإسلام ومبادئه واعتدوا، بل وفجروا في عدوانهم.

من خلال التعريفات السابقة نستنتج أن العدوان الجائر على اليمن أرضا وإنسانا عدوان وتدخل سافر من قبل الولايات المتحدة وأدواتها المتمثلة في السعودية والإمارات الهدف منه احتلال الوطن اليمني ونهب الثروات وفرض الوصاية وتركيع الشعب اليمني.

 

أسباب العدوان الأمريكي على اليمن

الجدير بالذكر هنا أنه لا يمكن الحديث عن السياسة الأمريكية في منطقة حيوية بالنسبة إليها دون الإشارة إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف تقسيم المقسّم وتجزئة المجزَّأ على أنقاض اتفاق سايكس- بيكو 1917م، والذي يستهدف بالنهاية إعادة هندسة المنطقة العربية بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل وإشراكها ضمن نظام شرق أوسطي تؤدي فيه دوراً واسعاً، ولا يمكننا أن نغفل حقيقة أن التنظيمات والحركات الإرهابية التي أنشأتها الإدارة الأمريكية تمثل الأداة الرئيسية لتحقيق هذا المخطط الذي يستهدف تفتيت وحدة الدولة الوطنية العربية.

وبحسب وصف الولايات المتحدة الأمريكية لليمن فإنها تقع في إطار جغرافي مهم وحيوي لمصالح ومطامع أمريكا وأبرزها السيطرة على مضيق باب المندب الذي يمر عبره كل يوم 4.7 مليون طن من النفط الخام.. ويمكن القول هنا أن أبرز أسباب العدوان الأمريكي على اليمن تتمثل فيما يلي :

- شعار الصرخة وما يحمله من معاني الموت لأمريكا، حيث وضّحتْ صراحة وحماقة ترامب ذلك في أن السبب الرئيس هو عبارة الموت لأمريكا التي ترعب أمريكا في مضاجعها.

- نجاح ثورة 21 سبتمبر 2015م الرافضة للوصاية الأمريكية والسعودية، لا سيما بعد أن وجدت أمريكا في تلك الثورة ثورة حقيقية لها قيادتها القادرة على تحريك الشعوب ضد هيمنة قوى الطغيان والجبروت الأمريكي الصهيوني .

- مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وأطماعها في الثروات النفطية المكتشفة في اليمن والتي قدرت بأكثر من 30% من الاحتياطي العالمي في محافظة الجوف.

-  الاستمرار في فرض الوصاية الأمريكية على السلطة الحاكمة لتمرير الاتفاقيات التي أبرمت مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح فيما يخص التطبيع مع إسرائيل والتي كشف عنها جهاز الأمن و المخابرات اليمني مؤخرا .

- خشية الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية من سيطرة أنصار الله على زمام الحكم في اليمن واعتبارهم امتداد للسياسة الإيرانية في المنطقة.

- المناورة العسكرية التي قام بها الجيش اليمني في صعدة أواخر عام 2014م ، وأكذوبة أمريكا للسعودية أن الأقمار الصناعية الأمريكية رصدت تحركات لنقل 300 صاروخ اسكود إلى الحدود السعودية.

- التقارب اليمني الإيراني بعد سنوات من فتور العلاقات والذي بدأ بتعهد الجانب الإيراني بتقديم المساعدات للشعب اليمني في عدة مجالات، وخشية الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من النفوذ الإيراني على سلطة صنعاء.

 

أهداف العدوان الأمريكي على اليمن

بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي لواشنطن وتبرعه بمئتي مليار دولار للولايات المتحدة ليبدأ الحديث عن نوايا المشاركة الأوسع للولايات المتحدة في الحرب العدوانية في اليمن ..  الموقف الأمريكي أصبح أكثر تطرفا في تحمل الموقف السعودي بحذافيره تجاه الملف اليمني أثناء زيارة ماتيس للمملكة و اتفاقه مع النظام السعودي على بيع منظومات صواريخ بقيمة ستة وثلاثين مليار دولار و بذلك أصبح الموقف الأمريكي أكثر بعد توعده لإيران في اليمن . ويمكن إيجاز أهداف العدوان الأمريكي على اليمن فيما يلي :

- إضعاف الثورة اليمنية التي قادتها حركة أنصار الله والتي تمكنت من إسقاط نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي الحليف للنظام السعودي – الأمريكي والذي حاول شق الصف اليمني من خلال اتخاذه لمدينة عدن جنوب البلاد مقراً لتنظيم الجماعات المعادية للثورة والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية لاسيما " القاعدة و" داعش " في مسعى لفصلها عن الإدارة المركزية في العاصمة صنعاء من خلال اللعب بالورقة الطائفية.

- استنزاف الأموال العربية وخصوصا المال السعودي والأماراتي والقطري.

- تشتيت قوى المقاومة التي تتصدى للمشروع الأمريكي في المنطقة بعد أن شعرت السلطات السعودية ومن خلفها الإدارة الأمريكية أن أنصار الله الذين رفعوا منذ بداية ثورتهم شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل أصبحوا قوة كبيرة قادرة على أداء دور مؤثر لصالح محور المقاومة.

- تحدث ماتيس في زيارته للمملكة السعودية أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن يكون لإيران ذراع مسلح في اليمن يشبه حزب الله في لبنان ، و تحدث عن أن حماية حليفته السعودية من الصواريخ التي تقدمها إيران للحوثيين - حد وصفه -  هو أيضا أمر ستعمل عليه الولايات المتحدة.

 

- اخضاع الجغرافيا اليمنية للهيمنة السعودية بالتذرع بدور إيراني ، أي أن المراد هو أن تكون السلطة السياسية في اليمن منسجمة كليا وخاضعة كليا للسلطة السعودية ، أو بعبارة أخرى لا يجب أن يترك اليمن خارج المنظومة الأمريكية ويجب أن يفقد استقلال قراره وأن يتم صهره لصالح (السعودية)داخل هذه المنظومة وانه اذا  لم تتوجد المملكة السعودية في اليمن فهناك فراغ قد تتواجد فيه ايران يوما ما تبعا لوجهة نظرهم بالطبع  .

- إقامة حلف الناتو العربي ودمج الكيان الصهيوني لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة و تحقيق خطوة نوعية باتجاه تطبيع الدول العربية مع إسرائيل ، وهذا ما لمسناه من مشاركة إسرائيل في العدوان على اليمن وفي إعلان الإمارات والبحرين تطبيعهما مع الكيان الصهيوني ومباركة زعماء الدول الرجعية لهذه الخطوة التي وصفها البعض بالحدث التاريخي نحو السلام.

- تضليل الرأي العالمي وصرفه عن حقيقة ما يجري في العراق وسوريا ودول أخرى في المنطقة من مذابح ومجازر بشعة على يد الجماعات الإرهابية والتكفيرية المدعومة بالمال والسلاح من قبل الأنظمة الرجعية في الخليج وفي مقدمتها السعودية.

- تكريس المشروع (الأمريكي – الصهيوني) في المنطقة من خلال دعم الأنظمة العميلة والرجعية لتنفيذ مشروع " شرق أوسط جديد" في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم.

- منع الحكومة اليمنية الجديدة بقيادة " أنصار الله " من الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تتمتع به اليمن التي تشرف بشكل مباشر على خليج عدن ومضيق باب المندب البوابة الجنوبية الوحيدة للبحر الأحمر الممر الحيوي والحساس للملاحة البحرية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

- الأطماع الأمريكية في السيطرة على اليمن ومواصلة الهيمنة على مصيره، والتحكم على منابع النفط والجزر اليمنية لبناء قواعد عسكرية لمواجهة الصين خاصة وعرقلة المشروع الصيني طريق الحرير, وتأمين الأمن القومي للكيان الصهيوني وعدم إعاقة سفنه حال تمكن أنصار الله من السيطرة على باب المندب.

- تقليص دور إيران في المنطقة وخصوصاً على الصعيد العسكري لا سيما بعد دعمها اللوجستي للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي التي حققت انتصارات كبيرة على تنظيم " داعش " الإرهابي.

- تدمير القطاع الصناعي وإغراق الأسواق اليمنية بالمنتجات المقلدة والمغشوشة، والتي يتم شحنها من ميناء جبل علي في مدينة دبي الإماراتية ومن المصانع السعودية بهدف تركيع الشعب اليمني عن طريق استهداف كل مقدراته ومقوماته.

- تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم لتحقيق أهداف ومطامع السعودية في السيطرة على مناطق النفط في الجوف وحضرموت والمهرة لمد خطوط النفط من السعودية إلى البحر العربي عبر محافظة المهرة , بينما الإمارات تطمع في بسط نفوذها على الموانئ والجزر اليمنية . بينما تحلم إسرائيل وأمريكا في بناء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية سوقطرة وميون وغيرها.

- تدمير الجيش اليمني وهو الهدف الذي بدأ مشروع تنفيذه من خلال الهيكلة وتدمير أسلحة الدفاع الجوي لتكون الغلبة دائما للتفوق الإسرائيلي على الشعوب العربية.

 

* تم نشر الحلقة الأولى من الدراسة في عدد سابق تحت عنوان " بالحقائق والأرقام 235 عاماً من جرائم الإرهاب الأمريكي".


طباعة  

مواضيع ذات صلة