مؤتمر فبراير ... تآمر دولي علي اليمن !

لم تستطع القوى الكبرى من تحقيق اهدافها ومطامعها عسكريا فلجأت إلى الدبلوماسية والحوار تحت شعار السلام وفي الحقيقة هو لتقاسم المصالح فيما بينهما في المنطقة عموما وفي اليمن خصوصا .

علي الشراعي

مؤتمر فبراير ... تآمر دولي علي اليمن !


تشكل احداث التاريخ بالماضي نافذة يطل منها الحاضر على تلك المجريات فصراع القوى الاستعمارية واطماعها على اليمن بالماضي لا تختلف عن اهدافها ومطامعها بالحاضر وأن اختلفت أماكن تلك القوى وحلفائهم .

الأوضاع الدولية

منذ الربع الأول من القرن الثالث الميلادي اخلى البرث مكانهم في الحكم للأسرة الساسانية الفارسية عام 225م .

وفي إمبراطورية البحر الأبيض المتوسط أصبحت القسطنطينية العاصمة بدلا من روما 330 م .

وفي جنوب الجزيرة العربية ( اليمن ) قامت دولة مركزية موحدة منذ نهاية القرن الثالث الميلادي 380 م وكان لها تأثير مباشر على القبائل العربية في وسط وشمال شبة الجزيرة العربية كما كان لها اقتصاد مستقل .

تلك الوحدة وذلك الاستقرار باليمن تحت قيادة الدولة الحميرية لم يرق للكثير من دول العالم معتبره ان ذلك اصبح يشكل خطرا على مصالحها وبالأخص الامبراطورية البيزنطية .

وفي الجهة الأخرى من البحر الأحمر كانت دولة أكسوم تزداد قوة ونفوذ بدعم من بيزنطة .

الطرق الثلاث

تلك التطورات السياسية والأوضاع الدولية عملت على تفاقم حدة الصراع بين الإمبراطورية ( فارس وبيزنطة ) فدخلتا في صراع حربي من أجل السيطرة على الثلاث الطرق التجارية الاستراتيجية الطريق القادمة من المحيط الهندي وسواحله عبر الخليج إلى الفرات فبادية الشام وطريق البحر الأحمر المتجه صوب مصر وجنوب فلسطين وطريق القوافل البري في غرب شبة الجزيرة العربية .

لقد كانت بيزنطة تعمل كل ما بوسعها لتعزيز موقفها بين النهرين ولتأمين تجارتها إلا أن تلك الطريق يتعذر عليها كلما اشتد الصراع بينها وبين فارس . فكان لابد ان تجد بيزنطة بديلا آمنا وبخاصة طريق البحر الأحمر .

بالمقابل كان الفرس يتطلعون برغبة للسيطرة على سوريا ومصر أي السيطرة على الطريق التجاري البري القادم من جنوب شبة الجزيرة العربية (اليمن) هذا بالإضافة إلى احتكارهم لطريق الحرير بين الصين والفرات .

القنبلة الموقوتة

في خضم تلك الأجواء الدولية كانت الظروف مهيأة لامتداد ذلك الصراع إلى جنوب شبة الجزيرة العربية (اليمن القديم) الذي اتخذ في جوهرة بعدا سياسيا واقتصاديا وفي شكله بعدا دينيا فاليمن يتحكم بطريقين من الثلاث الطرق التجارية والتي يتمحور حولها الصراع .

لقد استخدمت بيزنطة العقيدة المسيحية لتحقيق أغراضها التجارية فيما كانت اليهودية معقلا للنفوذ السياسي الفارسي فلقد حاولت كل من الديانتين المسيحية واليهودية أن تتغلغلا في الجزيرة العربية وكانتا متصلتين بالصراع السياسي إذ بدت كل منهما حليفة لإحدى الدولتين الطامعتين باليمن .

ففيما كانت بيزنطة منذ مطلع القرن السادس الميلادي تحالف الأحباش وتساند نفوذها ونفوذ المسيحيين في اليمن كان الفرس يفضلون التعامل مع اليهود والمذاهب المسيحية المناهضة للروم .

وجد الأحباش من بيزنطة الضوء الأخضر للتحرشات بين وقت وآخر حتى وصلوا في إحدى غزواتهم إلى ظفار العاصمة الحميرية مما قاد ملوك حمير إلى انتهاج سياسة معادية للأحباش وحلفائهم البيزنطيين وضرب مصالحهم في المنطقة .

وبذلك أصبحت اليمن تحت المجهر بل بمثابة القنبلة الموقوتة فتصويب الأنظار والاطماع صوب اليمن صار شيء حتمي بين الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية للاستحواذ عليها . 

مؤتمر الرملة

ولتسوية الخلاف بعد صراع عسكري مرير بينهما ولتقسيم طرق التجارة والمناطق الاستراتيجية كان الحوار والدبلوماسية هي التي تحقق لهما اهدافهما حينما عجزت القوة العسكرية في ذلك فعقد مؤتمر بين الامبراطوريتين في أرض عربية دولة المناذرة في منطقة الرملة (جنوب شرق الحيرة) كان ذلك في شهر فبراير 524م وكان من اهم اهداف ذلك المؤتمر عقد معاهدة سلام بين الامبراطوريتين على أن تكف بيزنطة عن اطماعها فيما بين النهرين وترك التجارة البرية والبحرية بين الصين والغرب بيد الفرس .

رفع الفرس أيديهم عن جنوب الجزيرة العربية لتدخل ضمن النفوذ البيزنطي وغض الطرف عن الأسلوب الذي يمكن أن تنتهجه بيزنطة لتأديب الملك الحميري ذو نواس والذي أصبح يشكل خطرا على مصالحها في المنطقة .

لقد حققت الدبلوماسية البيزنطية هدفها المرجو من مؤتمر الرملة مالم تستطع تحقيقه عسكريا خاصة عندما تخلى ملك الفرس وملك الحيرة عن مساعدة ملك اليمن عندما طلب نجدته في الوقت الذي كان فيه ذي نواس بأمس الحاجة لمثل ذلك الدعم بل كان يرى في فارس العدو التاريخي لبيزنطة والسند الدولي لسياسته لكن بيزنطة تمكنت من عزل الملك اليمني عن القوى الوحيدة المؤثرة والتي كانت بالإمكان أن تسانده . 

احتلال اليمن

حينما كانت المسافة بين بيزنطة واليمن شاسعة وهذا يعيق تحقيق هدفها بالسيطرة على جنوب الجزيرة العربية عسكريا وخاصة وأن لروما تجربة فاشلة في محاولتها احتلال اليمن عام 24 قبل الميلاد فلم يكن امامها بعد مؤتمر الرملة أن لا تكرر محاولتها الفاشلة بالاحتلال المباشر لليمن بل بالبحث عن حليف يقوم مقامها بتلك المهمة فوجدت في العقيدة الدينية مبتغاها عندما عززت نحالفها مع الأحباش الدولة المجاورة ذات الأطماع التاريخية في اليمن متسترين بحجة الدفاع عن المسيحيين في نجران (فما اشبه اليوم بالماضي وباحتلال الاحباش لليمن بعدوان 2015م وان اختلف الحليف لكن الأهداف والاطماع واحدة ).

فشهد الربع الأول من القرن السادس الميلادي متغيرات جوهرية فمع انتهاء مؤتمر الرملة رتبت بيزنطة للهجوم عسكريا على اليمن ونفذه الأحباش فقد تمكن الأحباش سنة 525م من احتلال اليمن بدعم عسكري من بيزنطة مما تسبب ذلك الغزو والاحتلال سقوط الدولة اليمنية القديمة المركزية الموحدة وانهيار النظام الحضاري وعاشت اليمن في ظل الاحتلال الحبشي حالة من التمزق والتشتت لم يشهد له مثيل من ذي قبل كون الاحتلال الحبشي اسقط الدولة الحميرية والتي كانت أخر دول حكمت اليمن الموحد قديما (115 قبل الميلاد - 525م ).


طباعة  

مواضيع ذات صلة