الخارد (بحيرة العرب) الكبرى: الحدود والمساحة وتاريخ ظهوره .. خريطة

الجغرافي كلوديوس پَطْلُمْيُس (بطليموس) Κλαύδιος Πτολεμαῖος هو جغرافي مصري من القرن الأوّل من أبناء مدينة الإسكندرية.

وواضع أهم كتابين بالنسبة للمدارس الرومانية والبيزنطية والإسلامية، وهما كتابيّ المجسطي في علوم السماء والجغرافية في علوم الأرض.

في كتاب الجغرافية Γεωγραφικὴ Ὑφήγησις وضع پَطْلُمْيُس خرائط عديدة لمختلف مناطق العالم القديم، واعتمد لتجميعها على أسفاره وعلى خرائط سابقة كان وضعها الجغرافي الفنيقي مارينوس الصوْري مؤسّس علم الجغرافيا الرياضية، بالإضافة لاعتماده على تراث علماء الممالك الأخمينية والأشكانية السابقة لوجوده.

كما ذكر الفلكي أبرخش كمرجع لأسماء بعض المدن. هذا يعني أنّ پَطْلُمْيُس لم يزر الأماكن التي رسم خرائطها بنفسه.

في كتاب الجغرافية يتحدّث پَطْلُمْيُس عن بحيرة عظيمة للعرب يعتمدون عليها في حياتهم، ووضعها في خرائطه في وَسَط شبه الجزيرة العربية تقريباً، ورسمها بشكل اتّساع العين، ولم يمنحها اسماً سوى بحيرة العرب؛ فسمّاها الجغرافيّون من بعده ببحيرة پَطْلُمْيُس.

الدراسات الحديثة في خرائط پَطْلُمْيُس أظهرت أنّ الموقع الصحيح لهذه البحيرة هو وَسَط اليمن المعاصر، على نهر الخارد، في المساحة الصحراوية الممتدّة ما بين حضرموت وجبال اليمن.

فنقلتْها هذه الدراسات بالتالي من وَسَط شبه الجزيرة العربية إلى الجَنُوب العربي لتضعها بين جبال اليمن…

يقول مؤنس بخارى وهو باحث تركستاني ينتمي لاصول عربية في مقال بعنوان بحيرة العرب حسب بطليمس: اشتغلتُ طوال عام أحاول تحديد حدود هذه البحيرة وحجمها، بواسطة الوصوف القديمة التي تذكر شيئاً من مواصفاتها.

أخيراً قرّرت رسم خارطة لهذه البحيرة، فوضعت خارطة تضاريس اليمن، ثمّ حدّدت أعمق نقطة في وادي حضرموت (وهي بارتفاع 709 أمتار عن سطح البحر) وارتفعت عنها مسافة 300 متر، ثمّ ملأت المساحة المحدّدة بالماء؛ فخرجت هذه البحيرة في الخارطة.

وأبهرتني النتيجة فور ظهورها… ثمّ لأتعقّب أصول النظام المائي القديم لهذه البحيرة استحضرت خرائط الأنهار الموسمية في اليمن، ثمّ حذفت منها كلّ ما ليس له ارتباط بالبحيرة وملأت المجاري الجافّة؛ فتبيّن لي عظيم أثر بحيرة العرب على حياة الناس في اليمن القديم. 

بحيرة العرب حسب جغرافيا پَطلٌميُس (بطليموس) برسم الحدود التقريبية لبحيرة العرب ظهر فوراً تبرير مواقع عواصم كلّ الحضارات القديمة والممالك العظيمة لعرب الجَنُوب.

إذ تتحلّق حول هذه البحيرة العظيمة ونهرها مدن ذات تراث عميق، مثل: مأرب وتِمنع وريبون وشبام وسيئون. وجميعها حواضر شهيرة وذات أهميّة للممالك الجنوبية القديمة، ومن الواضح أنّها لم تؤسّس في الصحراء ولم تكن حواضر صحراوية.

فوجود البحيرة ونظامها المائي الفريد منح أهل تلك الممالك واحدة من جنّات عدن الغنّاء بالماء والخضرة، على طول مجرى نهر الخارد.

أتخيّل الناس تبحر على ظهر هذه البحيرة، تتناقل البضائع شحناً على مراكب تنتقل ما بين موانئ بحرية داخل اليمن، ما بين حضرموت وجبال اليمن… هكذا يكون بالفعل لحضرموت اسمها: حواضر الماء.

نظام بحيرة العرب فريد من نوعه وغريب نوعاً ما، إذ تغذّيها سبع أنهر من الغرب والجنوب لتملأ مساحة طولها حوالي 400 كلم وعمقها الأعظم نحو 300 متر، ثمّ تخرج عنها ثلاث أنهر عظيمة تجري بمائها إلى بحر العرب.

أكبرها ينتهي في وادي مسيلة، والثاني في السفال، والثالث إلى القرب من الهويمي في ميناء زال اليوم من الوجود؛ أظنّ اسمه الهيبالة.

وضعت إلى جانب كلّ رافد للبحيرة رقماً وكذلك إلى جانب كلّ مصبّ في البحر، وهي سبعة تصبّ في البحيرة وثلاثة تخرج من البحيرة لتصبّ في البحر. والتي تصبّ في البحيرة هي وادي شبوة ووادي بيحان ووادي حريب بالإضافة إلي مسيلات صنعاء. حول وادي شبوة تأسّست اثنتين من ممالك اليمن القديمة: حضرموت وأوسان.

ويمتلئ حالياً بالماء في أوقات الأمطار الموسميّة. حول وادي بيحان تأسّست مملكة قتبان القديمة، وكانت عليه مدينة قتبان، العاصمة القديمة. ويتحوّل اليوم إلى جنّة خضراء في فترة قصيرة في موسم السيول.

وادي حريب معروف بثروته الزراعية والماء الوفير وكان الماء يسيل فيه دائما وتصبّ فيه المياه من بلاد بني وهب وجبال أبلح وجبال عين. وسُمّيت عين لأنها لم تنقطع يوم من الماء. پَطْلُمْيُس، الجغرافي الذي تحدّث عن هذه البحيرة توفى سنة 170 وكانت هذه البحيرة موجودة على حياته،

فأين ذهبت؟

كيف جفّت هذه البحيرة واختفت حتّى الأنهار التي كانت تغذّيها؟

ماذا أصاب اليمن؟

قد تكون هذه هي البحيرة التي جفّت فجأة وهربت إلى البحر، فتصحّر اليمن وتهدّمت مدن حضرموت، وخرجت منها الناس أفواجاً تهاجر إلى كلّ مكان.

هذه الأنهار في الخارطة هي اليوم جميعاً أنهار موسمية ولا يملأ موسمها مجاريها كاملة.

بينما كانت أيّام البحيرة دائمة الجريان، ملأى بالماء، تحيل اليمن واحدة من جنائن الأرض وأكثر البلدان ثراءً وخضرة. بسبب الثلوج التي كانت تتراكم على جبال اليمن غرباً.


طباعة  

مواضيع ذات صلة