مونديال قطر.. الروح العربية حية وتنتظر فرصتها

كثيرة هي النتائج الايجابية والمؤشرات التي ظهرت في مونديال قطر، وليس اقلها الترجمة العملية لحجم التعاطف العربي مع فلسطين والحضور المحوري وفي تفاصيل حياة واهتمامات العرب

تحليل/ ميخائيل عوض

مونديال قطر.. الروح العربية حية وتنتظر فرصتها

فالقضية حاضرة نوعياً في كل شاردة وواردة وفي أخطر وأهم المناسبات، وانعقاد المونديال ليس اية مناسبة لأهميتها وحجم المتابعة والاهتمام ولعالميتها الشعبية والاجتماعية، ولمستويات تأثيرها في إرساء الوعي الجمعي العالمي وفي تسويق قيم وعادات وازياء وحتى قصات الشعر.
وبرغم النقص الفاضح والغياب شبه الكلي لمشروع عربي ولحضور فلسطيني متقن ومنظم للاستثمار بالمونديال وللإفادة من مناخاته واجتماع مليارات البشر حول الكرة.. إلا أن العفوية والمبادرات الفردية وحماس الناشطين استحضرت القضية الفلسطينية وكشفت عمق حضورها في الوجدان الجمعي العربي، وجاءت الأجواء والمناخات والاعلام بعكس ما استهدفه تنظيم المونديال في قطر وبين الأهداف غير المعلنة للمونديال وقد حشدت “إسرائيل” وحلفها المطبعين وقطر ما امتلكوا ليكون المونديال مناسبة وفرصة للتطبيع الشعبي والكروي والثقافي، وأمنت قطر الاف الرحلات الجوية المباشرة من فلسطين المحتلة وأمنت أفضل الفرص للمراسلين ووسائل الإعلام الإسرائيلية لاستعراض حجم التطبيع والقبول بإسرائيل وتعميم الابراهيمية فجاءت النتائج عكسية تماما وفي ذلك مؤشرات هامة جداً تؤكد حضور القضية المحورية.
مراسل قناة صهيونية يشكو على الهواء رفض الجمهور للتعامل معه
 

ردود الفعل الشعبية العربية في كل مكان وفي بلاد المهجر مناصرة وتأييد للفرق العربية التي حققت نتائج ايجابية دليل ومؤشر على حوافز الضمير العربي الموحد والمستتر وحجم العواطف والرغبات الكامنة، وفي حجم الاحتفالية والتضامن العربي الشعبي العارم مع الفريق المغربي تتثبت حقيقة ان العرب قوم تجمعهم كثيراً الروابط والقيم واللغة والثقافة والأهم الآمال المستقبلية وأنهم أمة مكتملة ينقصها المشروع والقيادة وتسجيل الانتصارات وبين الظواهر النوعية الدالة ان الفرق الفائزة تتلحف علم فلسطين وحارس مرمى المغرب برغم اجادته اللغات الاجنبية الفرنسية والانكليزية والاسبانية رفض الاجابة على الأسئلة إلا بالعربية تأكيدا وتمسكا وتقريرا ان اللغة والعربية حية ومتينة ومفخرة للمنتصرين .
 

لاعبو المنتخب المغربي يرفعون علم فلسطين
 فالأمة في حقيقتها حاضرة ونابضة وكامنه تترقب بأمل وتوثبت وبجاهزية عالية للاندفاع ما ان تتوفر لها فرصة وأمل حتى تعبر عن كوامنها وبما يذكر بالحالة الشعبية العربية اثر انتصارات المقاومة في لبنان وغزة ونجاح الدفاع الجوي السوري بأسقاط طائرة إسرائيلية وتتجسد الحالة في انتصارات الكرة ما يؤكد وقائع وحقائق التاريخ والواقع ويؤشر إلى كمون وجاهزية العرب كقوم وكأمه لتلقف والتفاعل مع مشروع وقيادة تحقق انتصارات وتراكمها.
ومما لاشك فيه ان العربية والشرق واسيا اظهرت في المونديال قوة وحضور قيمها وثقافتها ومقاومتها لمحاولات فرض قيم وتقاليد ومفاهيم “انغلو – ساكسونية” ومن استهدافات تنظيم المونديال في قطر تسويق ثقافات وقيم وممارسات يجري تمريريها بخبث مع الكرة والمباريات باعتبارها أحد أهم المناسبات والظروف والفرص لتسويق عادات وتقاليد غريبة وتكريسها، فرفض شعارات وإعلام المثليين ومحاصرة وطرد الحضور الإسرائيلي وكسر هيمنة إعلام التطبيع وتسويق وترويج التقاليد والأزياء العربية وتظهير قيم العرب والشرق في الاحتفاليات بالعائلة وتكريم الوالدين والتباهي والاحتفال بالوالدة من قبل اللاعبين الفائزين  نتائج يبنى عليها والرفض الذي حال دون تحقيق غايات المنظمين، بتعميم التطبيع ونشر قيم وعادات وممارسات تخالف قيم العرب والشرق جاء لقوة الحجة ولضغوط الرأي العام وعدم قدرة النظم والحكام على مخالفتها وتحديها وهذه ايضا حقيقة تؤكد معطيات كامنة يمكن الاستثمار بها والبناء عليها.
وبين الايجابيات ومن الخير في الشر ان المونديال نظم في بلد عربي وأسهم بتسويق الحالة العربية بانها حضارية وقادرة وتستطيع ولا ينقصها العقل والقدرة والإدارة واذا صممت تستطيع.
وربما يكمن الشر في ان المونديال قد تم شرائه وبكلفة عالية وبرشوات وافساد، وبان كلفته على قطر كانت مهولة وغير مسبوقة وقد ازهقت الأموال الطائلة في مكان وزمان وعلى أطراف وجهات في غير صالح العرب وحاجاتهم وأولوياتهم  فالمئتان والعشرين مليار دولار لو أنفقت على التعليم والطبابة وتأمين المنازل وبناء الورش والمصانع والمزارع لكانت نهضت بالعرب ووضعتهم في مصاف الأمم والشعوب المتقدمة خلال زمن قصير. لكن للأسف انفقت على الشوارع والابنية والبنى التحتية السياحية والاستهلاكية والملاعب في بلد عدد سكانه إذا اجتمعوا لا يملؤون الملاعب ومدرجاتها فكيف بالبنى التحتية والسياحية والفندقية.
بكل الأحوال فالنتائج الايجابية وما كرسته من حقائق وما كشفته من كوامن ومؤشرات تجعل من المناسبة ذات أهمية استثنائية في ما اظهرته من دلائل ومؤشرات وحقائق عسا ان تجد من يبحث فيها ويتعمق ويلتقط الفرصة ويعمل لتعظيمها ويسهم في اعادة انهاض العرب والتركيز على خاصياتهم وقضاياهم والسعي الجاد لتحقيق انتصارات جدية وعمليه في الواقع يبنى عليها وتغير في احوالهم  وتخليق مناسبات تفجر كوامن العرب وتستنهضهم لإنجاز وتحقيق قضاياهم وحقوقهم.
وعلى قول “رب ضارة” نافعة فقد يكون انفاق مئات المليارات على المونديال خيرا على عرب بعضهم كسب واستفاد وجلهم كسب بانها لم تنفق على حروبهم وتعميق فوضاهم والتآمر على بلدانهم لتدمير بشرها وعمرانها فقد سبق ان أعلن رئيس وزراء قطر السابق انفاق أكثر من ١٣٨ مليار دولار لتدمير سوريا.
 

*كاتب ومحلل سياسي لبناني
 


طباعة  

مواضيع ذات صلة