صحيفة اليمن - خاص - على الشراعي
مناطق استراتيجية واقتصادية تستنفد مواده الأولية وتقتحم أسواقه وتابعت أمريكا مراقبة النشاط السياسي والعسكري والاقتصادي لبريطانيا في الخليج العربي ومحمية عدن محاولة أن تضمن حماية طرق التجارة وحرية العبور إلى مستعمراتها في المحيط الهندي وأن لا تؤسس أية قوة عظمي لنفسها مركزا على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر.
أمركة العالم
ظلت أمريكا تتحاشي مواجهة الألمان بشكل مباشر حتى بعد ان دخلت الحرب العالمية الثانية في نهاية عام 1941م بعد هجوم اليابان على أسطولها وتتلخص نظرة الولايات المتحدة الأمريكية فيما كتبه هاري ترومان في مذكراته عام 1942م قبل أن يصبح رئيسا لأمريكا ( إذا ضعف الاتحاد السوفيتي يجب مساعدته وإذا ضعفت ألمانيا يجب مساعدتها المهم هو ان يقوما بتدمير بعضهما البعض ) وقد تم ذلك ففي عام 1944م واجه الاتحاد السوفيتي وحده 236 وحدة عسكرية نازية بينما كانت 19 وحدة منها فقط تواجهها قوات الحلفاء في إيطاليا و65 متفرقة على طول الطريق ما بين فرنسا والنرويج لم تتدخل أمريكا بشكل مباشر ضد ألمانيا إلا في يونيو 1944م وكان ذلك على هيئة قصف جوي عشوائي للمدنيين أسفر عن 570 ألف قتيل و 800 ألف جريح مدني وكانت اكثر المدن الألمانية التي تعرضت للدمار مدينة دريسدن التي تسبب قصفها في مقتل 135 ألف مواطن ألماني وتدمير شبة كامل للمدينة وبانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م بانتصار الحلفاء وبخسائر مادية وبشرية فادحة وإذا ما قارنا الفارق بين ألمانيا وأمريكا فخسائر المانيا ماديا بلغت 48 مليار دولار وبشريا 7 مليون و500 ألف قتيل بينما ربحت أمريكا من الحرب 42 مليار دولار وخسرت 280 ألف جندي ولم يكن الحال في بقية اوروبا أفضل من حال ألمانيا بل كان هناك ما هو أسوأ مثل الاتحاد السوفيتي الذي خسر 128 مليار دولار و 17 مليون قتيل وتعرضت ألمانيا للهزيمة للمرة الثانية خلال ثلاثين عاما على يد الحلفاء فقاموا بتقسيمها فيما بينهم فتم تجزئتها إلى أربع مناطق نفوذ (أمريكي روسي بريطاني فرنسي ) وفي مقترح للاتحاد السوفيتي بخصوص أن تكون ألمانيا موحدة منزوعة السلاح وعلى ان يتم إجراء انتخابات حرة عام 1952م لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تهتم بعرض ستالين لرغبتها برؤية ألمانيا غير موحدة في الوقت الراهن وانه توحيدها قد يكون أمر مرغوبا فيه على المدي البعيد عندما تكون الظروف ملائمة لذلك وبالفعل لم يتم توحيد ألمانيا إلا مع انهيار الاتحاد السوفيتي 1991م حيث صارت ألمانيا الموحدة عضوا في حلف الناتو في حين حذرت المفكرة الفرنسية (سيمون في ) في كتيب لها وزع قبل وفاتها عام 1943م تقول : ( إننا نعلم تماما أن أمركة أوروبا بعد الحرب ستصبح خطرا عظيما ونعلم أيضا مدى ما سنخسره لو تم ذلك لأن امركة اوروبا سوف تمهد دون شك لأمركة العالم بأسره وحينئذ سوف تفقد الإنسانية جمعاء ماضيها ) وقد صدق تنبؤاتها في وقتنا الحاضر فالإنسانية لم تفقد ماضيها فقط بل ومستقبلها ايضا !.
هجمة صليبية
كانت الأقطار الأجنبية الرئيسية المتنافسة لكسب رضا الإمام يحيى خلال الفترة 1935 ولغاية عام 1939م كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وبسبب العمليات البحرية البريطانية على السواحل خلال الحرب العالمية الثانية فقد أصبحت امريكا تدعم اهدافها الاستراتيجية ووضعها في أماكن مختلفة من العالم ومنها اليمن وقد تزايدت هذه الأهداف أهمية في الأشهر التي تلت حصار ألمانيا (1944- 1945) وبحسب كلمات الرئيس الأمريكي روزفلت (إن الأمة الأمريكية تريد من حكومتها العمل وليس فقط الكلام أينما وحيثما كان هناك تهديد للسلام العالمي ) هذه هي سياسة امريكا منذ انشائها إلى وقتنا الراهن التدخل بشؤون الدول واحتلالها بذرائع متعددة وحجج واهية والتشدق وراء مبادئ إنسانية وغايات نبيلة وشعارات تحررية واتسعت الاتصالات الأمريكية مع البلاد العربية خلال فترة ما بين الحربين كذلك كان روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية يتحرك لكي تصبح الحرب هجمة صليبية بهدف ان يصبح العالم آمنا للديمقراطية وكانت الإدارة الامريكية مهتمة لإيجاد قاعدة عسكرية مستقرة للعمليات العسكرية ضد دول المحور في المنطقة وكانت البلاد العربية منذ ان دخلت الحرب العالمية الثانية قد طوقت بالعداء سواء من الشرق او الغرب وإنشات امريكا قاعدة الظهران في السعودية لتربط القاهرة بكراتشي ولتسهيل العمليات الحربية ضد اليابان إلى جانب القاعدة العسكرية البريطانية في عدن.
شركات البترول
دفعت الأزمة المالية العالمية 1929م الشركات الأمريكية الكبرى إلى البحث عن البترول خارج الولايات المتحدة الأمريكية وقد ساهم العثور على البترول في منطقة الخليج والسعودية خلال عامي 1932و 1933م على سرعة الخروج من الأزمة وعندما تولي الرئيس فرانكلين روزفلت الحكم (1933- 1945م ) بذل جهدا لرفع سعر البترول كجزء من برنامج قومي للخروج من الأزمة وقد تابعت بريطانيا توسع الامتيازات الأمريكية النفطية في السعودية وخشيت ان تصل إلى اليمن وعدن خاصة وأن شركة أمريكية أخذت حق امتياز التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية من السعودية وبما يسمح لها أن تمده إلى حدود محمية عدن وكان للشركة الأمريكية طائرات وآليات نقل وخشيت السلطات البريطانية أن تعقد الشركة اتفاقيات مع الحكام المحليين اليمنيين في الأجزاء الشمالية من محمية عدن خاصة وأن الشركة الأمريكية تحظي بدعم فلبي (مستشار للملك عبدالعزيز ابن سعود ) الذي تصفه بريطانيا بأن له أفكارا ومبالغات كثيرة حول ادعاءات ابن سعود الحدودية مع اليمن وانه إذا سمح لشركة امريكية أن تأخذ أي نوع من الحقوق في الأجزاء الشمالية من المحمية فإن ذلك سيخلق معاناة بريطانية صعبة وقد زار بعض المهندسين الأمريكيين مدينة شبوة عام 1938م بحثا عن البترول فأثار ذلك اهتمام الإمام يحيى ولفت نظره إليها فأرسل بعض جنوده إليها مما حرك بالتالي سلطات عدن البريطانية كذلك اهتمت القنصلية الأمريكية بعدن بموضوع تجديد معاهدة الإمام يحيى مع إيطاليا عام 1936م واقترح نائب القنصل انه إذا كان بالإمكان سحب العقد الإيطالي لمصلحة الأمريكيين قبل نهاية العقد فإنه يمكن إبعاد المنافسين الأخرين خاصة وأن امتياز الكاز الأمريكي سيدفع التجار الأمريكيين إلى تأسيس فروع شركات فعالة في المدن اليمنية الرئيسية مثل صنعاء والحديدة والمخا واللحية ويمهد الطريق لانعاش التجارة الأمريكية الواسعة في منطقة البحر الأحمر كما أنه يمكن الإمام يحيى من الحصول على معدات عسكرية أمريكية أفضل من المعدات الإيطالية كما كشفت الوثائق الامريكية التي كتبت عام 1935م قبيل تجديد الاتفاقية الإيطالية - اليمنية عام 1936م أن الإيطاليين يودون لو يسيطرون على اليمن بشكل كامل وأن إيطاليا ستستغل أية فرصة لتحصل على منافع في اليمن وأن عمل الإيطاليين في اليمن ( برنامج اختراق رفيق في البلاد وأن الأطباء الإيطاليين عملاء للدعاية وضباط مخابرات كما انهم أطباء مهرة وان تسعة أعشار عملهم في المجال الخيري وان الهدايا من الإمدادات العسكرية الإيطالية قديمة وقطع من الخردة وان الكميات مبالغ فيها).
الوضع الداخلي
في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي اتسمت الحياة السياسية الداخلية لليمن بهدوء نسبي أخمد الإمام يحيى تمرد القبائل في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد (خولان وصرواح ومارب وبرط وغيرهما ) كما عاد الهدوء إلى حدود اليمن الشمالية والجنوبية بعد التوقيع على اتفاقية السلام مع السلطات الإنجليزية في عدن ومع السعودية وتأكد الاستقرار النسبي لنظام الإمام يحيى السياسي وتوجه من خلال إعلان سيف الإسلام أحمد أبنه وليا للعهد عام 1937م وفي المجال الخارجي استطاع الإمام أن يقوم ببعض الجهود التي اكدت استقلاله من ناحية وأدت إلى استقرار حدوده وتوضيحها من ناحية اخرى فقد عقد المعاهدات المختلفة مع بعض الدول الأجنبية وخاصة ايطاليا والسوفييت تأكيدا لاستقلاله وشخصيته الدولية كما توصل إلى عقد معاهدتين متتاليتين في عام واحد 1934م مع كل من إنجلترا والسعودية واشتعلت في السنوات السابقة للحرب العالمية الثانية الصراع مجددا وبقوة بين دولتي إيطاليا وبريطانيا لبسط وتوسيع نفوذهما في جنوب البحر الأحمر بما في ذلك اليمن وتنفيذا لسياسة المناورة التي التزمها الإمام يحيى إزاء الدولتين الاستعماريتين فقد امتنع إبان الحرب الإيطالية – الأثيوبية عام 1935م من تأجير العمال لإيطاليا لشق الطرق الحربية ولم يسمح بنقل المصابين الإيطاليين من أثيوبيا عبر الأراضي اليمنية وفي بيان 18 نوفمبر 1935م أعلن بأن اليمن كان وسيبقى دولة محايدة وبأنه لن يرسل إلى الجانب الإيطالي وحتي برصاصة واحدة أو رجل واحد و في 1939م شارك الوفد اليمني في مؤتمر لندن للقضية الفلسطينية وفي نفس العام حضر ممثلوا اليمن مؤتمر القاهرة الذي بحث قضية الوحدة العربية ورغم ضغوط دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية على الإمام يحيى للانضمام إليهم لكن ظل الموقف المعلن منه محافظا على الحياد وفي عام 1944م قام الإمام يحيى بإعادة تنظيم إدارة اليمن حيث قسم اليمن إلى أربع مناطق إدارية عام 1944م ووضع لواء صنعاء العاصمة تحت إدارته المباشرة وحقق الإمام سيطرة على المرتفعات الداخلية اليمنية وعلى الحدود مع محمية عدن واستمرت سياسة بريطانيا ترى ضرورة فرض سيطرتها على الحدود والسواحل اليمنية مع عدن وان الإمام يحيى يحاول جاهد ان يخترق الحدود ليصل غلى محمية عدن والنفاذ للبحر مؤكدة ان اسلوب العقوبات والحصار الاقتصادي لليمن غير ممكن لتداخل حدود اليمن مع محمية غرب عدن البريطانية.
المصالح الأمريكية
كانت السنوات الست من الحرب العالمية الثانية فترة التحول الفعلي الأمريكي من موقع الرديف المنافس لبريطانيا إلى مرتبة الصدارة وخاصة في منطقة شبة الجزيرة العربية عامة واليمن خاصة كونها مجالا اقتصاديا تستنفد مواده الأولية وتقتحم أسواقه وتابعت أمريكا مراقبة النشاط السياسي والاقتصادي لبريطانيا في الخليج العربي ومحمية عدن حتي تضمن حماية طرق التجارة وحرية العبور إلى مستعمراتها في المحيط الهندي وأن لا تؤسس أية قوة عظمي لنفسها مركزا على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر ( سواء إيطاليا أو بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الطامعة في موانئ وجزر البحر الاحمر ومضيق باب المندب ) وتابعت الولايات المتحدة من خلال قنصليتها في عدن نشاطات الضباط السياسيين البريطانيين (في مجال السياسة والمخابرات ) والذين كانوا يحاولون إقناع رؤساء القبائل اليمنية بفوائد التعاون مع قوة استعمارية مجربة مثل بريطانيا حيث كان البريطانيين يحصلون على معلومات استخبارية من خلال مواطنيهم في اليمن كالدكتور( بتري) الذي كان يعمل بمستشفى يمني بصنعاء إضافة إلى التجار البريطانيين الذين يتابعون النشاطات الإيطالية في اليمن لصالح الضباط السياسيين البريطانيين في عدن فيما حاولت القنصلية الأمريكية دعم رجل الأعمال الأمريكي (كلاندر) للحصول على عقد يمني لشراء معدات عسكرية وصناعية من امريكا لحساب اليمن بقيمة مليوني دولار وقد زار كلاندر اليمن عام 1937م وقدم له الطلب اليمني فسافر إلى أمريكا وبصعوبة بالغة تمكن من الحصول على بعض العروض ولكنه عندما عاد إلى اليمن وعرضها على الحكومة اليمنية وجد أنها غير مهتمة بهذه العروض في هذا الوقت وفسر رجل الأعمال عدم اهتمام الحكومة اليمنية بعروضه بأن اليمن عندما قدمت هذه العروض كانت قد شعرت بعدم الأمان خلال فترة ما قبل 1936م ولما سأله نائب القنصل الأمريكي إن كان هذا الطلب قد حول لجهة أخرى رد بأنه لا يعتقد ذلك وأن الإمام يحيى لن يجري محاولة جدية لبناء القدرات العسكرية لبلاده إلا في حاله حدوث تهديد بالغزو وقد لوحظ ان المعلومات المستقاة من رجل الأعمال الأمريكي وصفت بالسرية.
الشيخ سعيد
اهتمت السلطات الأمريكية بمنطقة الشيخ سعيد ( منطقة جبلية ولها مكانتها العسكرية ويسمى جبل طارق الجديد وهو موقع حصين بالقرب من مضيق باب المندب ومقابل جزيرة بريم ويبلغ ارتفاعه ما يقارب 300 متر عن سطح البحر) والتي جري حولها تنافس دولي عام 1939م فقد أشارت الوثائق الأمريكية إلى ان هذه المنطقة تعد دون شك نقطة اتصال استراتيجية لأنها تقع على طريق التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب كذلك تحظي بأهمية اقتصادية حيث ان الاستثمار الاقتصادي للموارد الطبيعية للأراضي الواقعة خلفها وحولها لم يتم حتى الآن ولم يتم اكتشاف موارد المصادر الأولية.
وذكرت الوثائق الأمريكية ان مباحثات تمت مع السلطات الاستعمارية والقنصل الإيطالي بعدن وان خلاصه المعلومات البريطانية والإيطالية واليمنية والفرنسية بأن منطقة الشيخ سعيد قيمة جدا وخاصة في وقت الحرب وانه يبدو مستبعدا أن إيطاليا أو بريطانيا يمكن ان تسمح لفرنسا ان تسيطر على هذه المنطقة فيما بررت فرنسا مطالبتها بهذه المنطقة بان تدابير تجارية بين شركة فرنسية ورئيس قبيلة في الشيخ سعيد قد تمت منذ عام 1868م من جانب أخر فان إيطاليا تعول بان لها تأثراً كبيراً على إمام اليمن من اجل الموافقة على ان تحل مكان فرنسا وان عملاء إيطاليا السياسيين ينشرون الدعاية في اليمن من أجل تعاونها بهذا الاتجاه فيما أكدت الوثائق الامريكية ان بريطانيا لن تحيد عن قرارها في منع أية قوة أجنبية سواها من دخول الشيخ سعيد لأن ذلك سيعرض ميناء عدن وقاعدتها العسكرية للخطر في الوقت نفسه يدعي الإمام يحيى ملكيته للشيخ سعيد وهو في الحقيقة يديرها ولذلك فهو يعتبر أن دوره مطلق من خلال سيطرته ولا يبدي استعدادا للتفاوض على وحدة الأراضي اليمنية مع أي قوة أجنبية وهو يحافظ على وضع الشيخ سعيد من خلال منع البريطانيين من التبرع ب 50% من اجل تحصين المنطقة وشراء 50% الباقي كمواد من بريطانيا على أساس أن التحصينات ستعود إلى اليمن وفي عام 1940م انتدب الإمام ولى عهده سيف الإسلام أحمد لتحصين منطقة الشيخ سعيد وباب المندب بقلاع واسلحة من الطراز الحديث واما ذلك زاد نفوذ بريطانيا في اليمن قبيل الحرب العالمية الثانية بصورة كبيرة فكانت السلطات البريطانية قادرة على ممارسة ضغط اقتصادي على الإمام وحكومته فعبر ميناء عدن كانت تجري كل عمليات التصدير والاستيراد اليمنية كما مارس الإنجليز ضغطا سياسيا على الإمام ففي عام 1941م وتحت ذريعة ضمان سلامة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب احتلت بريطانيا منطقة الشيخ سعيد القريبة من جزيرة ميون وتطل مباشرة على مضيق باب المندب علاوة على تحكم هذه المنطقة في مضيق باب المندب كله لذلك فإن أي قوة معادية للإنجليز تستطيع السيطرة عليها فإن الإنجليز في هذه الحالة لن يستطيعوا التواجد في جزيرة بريم والتي تعتبر الموقع المتقدم للدفاع عن منطقة الشيخ سعيد ومنطقة عدن نفسها.
منح القروض
رغم ان الحرب العالمية الثانية لم تمس ولو بشكل غير مباشر أراضي اليمن الا إنها الحقت اضرارا جسيمة باقتصاده أدى إلى أن تدهور الصادرات والواردات اليمنية إلى مستوى متدني وتوقفت عمليا وبشكل نهائي تصدير البن اليمني وغيره من السلع ولم تعد اليمن تستقبل المعدات والمكائن والسلع التموينية وارتفعت إلى حد كبير قيمة السلع الغذائية وفاقم الجفاف والقحط في الأعوام 1939-1941م الوضع الاقتصادي السيئ وبدأت تنتشر في اليمن المجاعة والأوبئة وقد ساهمت القنصلية الأمريكية في عدن كذلك في رصد الحركة الاقتصادية والتجارية في اليمن محاولة أن تبين مقدرة الإنتاج اليمني من القهوة كمصدر للتبادل الخارجي وقدرت الإنتاج اليمني السنوي من القهوة بلغ عام 1940 م اكثر من 550 ألف دولار في السنة وان جميع الإنتاج المحلي اليمني من القهوة يمكن ان يصدر وان شحنات القهوة اليمنية عبر البحار تتركز من خلال مينائي جدة في السعودية وميناء عدن إضافة إلى شحنات تأتي عبر ساحل البحر الأحمر من الحديدة وأن 30% من صادرات القهوة تذهب للولايات المتحدة الأمريكية فيما دول أخرى مثل النرويج وسويسرا وفرنسا تحصل على صادرات قهوة بنسب مختلفة فيما المصدرون البريطانيون من تجار عدن كانوا يدفعون ثمن القهوة اليمنية بدولار ماريا تريزا ويدفعون بالجنية الإسترليني لليمنيين فيما السعودية تعاني من نقص في الدولارات وهي غير مستعدة لتزويد اليمن بأية كمية من الدولارات يمكن ان تحصل عليها من تصدير القهوة وبحسب الوثائق الامريكية فإن محاولة من الحكومة الأمريكية لدراسة مقايضة تصدير سلع امريكية او منح قروض لليمن على ضوء صادرات القهوة اليمنية للولايات المتحدة الأمريكية وان مواني التصدير هي مينائي عدن وجدة وان التزايد المستمر في كمية القهوة اليمنية المصدرة من ميناء جدة خلال الفترة 1936لغاية 1940م وأن الطلب الأمريكي على قهوة مُخا متزايد ولكنه ليس كبيراً والتوسع المستقبلي للسوق الأمريكي ممكن ولكنه يعتمد على قابلية اليمن لزيادة صادراتها وحدث تذبذب بمؤشرات انخفاض شبة مستمر ثم انخفاض حاد في كميات القهوة من الميناءين خلال الفترة 1941 لغاية 1943م ثم توقف نهائي عن التصدير خلال عامي 1944 و1945م بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية.
التواجد العسكري
ومع ازدياد اهتمام أمريكا بالمنطقة والتنافس التجاري بين بريطانيا وامريكا أصبح كل فريق يرصد خطوات الفريق الآخر في المنطقة وتشكلت مخاوف بريطانية بعد أن مد الأمريكيون خطا لأنابيب النفط عبر الجزيرة العربية ووقع في يد السلطات البريطانية تقرير أمريكي يتضمن خطة شاملة لإعادة تعمير المنطقة العربية بعد الحرب وضعها خبير أمريكي صهيوني (ارنست برغمان ) وكان وثيق الصلة بالدوائر السياسية والعسكرية الأمريكية تدور حول إيجاد نوع من تقسيم المصالح الاقتصادية في المنطقة وقد بنت أمريكا سياستها في المنطقة العربية على أساس حماية حقوقها التجارية ومصالح رعاياها مع تجنب التورط سياسيا او تحمل تبعات اخرى قبيل واثناء الحرب العالمية الثانية إلا ان دخولها الحرب عام 1941م وصارت طرف فيها وبدأت بالتواجد العسكري في المنطقة العربية وبحارها وفي عام 1943م قفزت المشاركات الأمريكية إلى مستوى عال في عدة مجالات وتطورت المصالح التجارية وبعد مباحثات مع بريطانيا ظهرت مصطلحات (المصالح الحيوية والاستنزاف الخطر للمصادر الضرورية والأمن القومي ) وظهر البترول على انه عامل من عوامل أمن الولايات المتحدة وسعت اللجنة التنفيذية للسياسة الاقتصادية في وزارة الخارجية الأمريكية إلى تحديد معالم السياسة الأمريكية الجديدة في 20 اغسطس 1945م قبيل نهاية الحرب ومن ابرز ملامحها تدعيم المصالح المستقلة للولايات المتحدة الأمريكية ونبذ سياسة الانغلاق أو التمييز في التجارة والنقل والتأكيد على حرية التفاوض مع أقطار المنطقة بغض النظر عن النظم السياسية القائمة وتوفير الحماية لجميع المواطنين الأمريكيين في المنطقة.
مناطق استراتيجية
قامت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية بأولى محاولاتها السياسية والاقتصادية للتغلغل في اليمن ففي عام 1944م وصلت إلى صنعاء البعثة الأمريكية برئاسة نائب القنصل الأمريكي في عدن (كلارك) والتي حاولت القيام بدور الوسيط في حل النزاع اليمني – البريطاني بين اليمن ومحمية عدن خاصة فيما يتعلق بالمناطق الساحلية بالقرب من باب المندب كمنطقة جبل الشيخ سعيد وعندما اوشكت الحرب على الانتهاء في إبريل عام 1945م وصلت إلى اليمن البعثة الثانية برئاسة السفير الأمريكي في السعودية (أيدي) الذي أقترح على الإمام توقيع اتفاقية اعتراف وصداقة وتجارة بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية وبدأت المفوضات حول توقيع الاتفاق وعموما لم يتمكن الامريكان من تثبيت موطئ قدم لهم في اليمن وتحقيق اهدافهم الاستراتيجية بإيجاد معاهدات تجارية تمكنهم من التوغل في اليمن وخاصة في الموانئ والجزر خلال تلك الفترة ولكنها مع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت قد وضعت شبة الجزيرة العربية وجزرها البعيدة هدفا لها لأنها تطفو فوق بحر من البترول الخام فقد تمثلت استراتيجية أمريكا تجاه منطقة البحر الاحمر بعد الحرب بكونها مناطق وجزر استراتيجية وكون البحر الاحمر يمثل اقصر الطرق للمواصلات التجارية والعسكرية ولتلك الاسباب اخذت الاستراتيجية الامريكية تتجه اتجاها آخرا بعد الحرب العالمية الثانية تمثلت بزيادة قوتها البحرية بحيث انتزعت مكان الصدارة من البحرية البريطانية ودخلت في تنافس مع البحرية السوفيتية لتبدا مرحلة استراتيجية اخري في الاهتمام الامريكي بالبحر الاحمر عامة والجزر اليمنية خاصة في ظل التنافس مع الاتحاد السوفيتي.