رواية النصف الآخر 2

 دلف لؤي وحسام وبعدهما الضابط المسؤول عن السرية إلى خيمة حسين الجالس على مكتبه يخط بعض خواطره،

صحيفة اليمن - امل الحداد

رواية النصف الآخر  2

 دلف لؤي وحسام وبعدهما الضابط المسؤول عن السرية إلى خيمة حسين الجالس على مكتبه يخط بعض خواطره،

صحيفة اليمن - امل الحداد

جاء طلب إنضمام حسين إلى الجبهة في وقت يريد خوض تجربة جديدة.. حتى لو كانت في المعسكر، نظرات التأمر المرح تبادلها زميليه وقائدهما بغرض تغيير الأجواء المحيطة بهم في معسكر جُل ما فيه سلاح يدل على الشدة التي تمر بها البلد، فإذا حسام يتكئ على كتفه بلطف ولؤي يضغط بيده على الكتف الآخر أما القائد يونس فهو يراقب من أقرب زاوية، أحس زيد بثقل الرجلين مع الشك في هويتهما، فهوى بنصف جسمه على المكتب لينزلقا ويصيبا المكتب.

لؤي: آه…

حسام : أي..

 بينما انفجر القائد ضاحكاً واقترب من حسين وهو يقول له: يبدو أنك لن تكون هيناً يا أسد.

انتبه الجميع إلى صوت طيران قريب

 القائد: احتموا بساتر.

خرج حسام ولؤي من الخيمة بسرعة فهما معتادان على أحوال الحرب، بينما جذب القائد يونس حسين (حيث أن خبرته لم تتعدى عشرة أيام في المعسكر) من سترته ليجعله ينهض ثم من ذراعه ليسحبه إلى النفق بجوار الخيمة، في نفس الوقت كانت الطائرة تحلق باحثة عن هدفها وأخيراً سمع الجميع صوت انفجار كبيييير....وبدأت سلسلة انفجارات صغيرة متوالية. ..

وضع حسام كلتا يديه على وجهه متأسفاً وقال: انفجار مخزن الأسلحة..هو أسوأ الاختيارات للقصف.

لؤي: ستستمر الانفجارات لمدة تزيد عن الساعة والخطير... أنها عشوائية.

القائد يونس: وقد تصل إلى مدنين.

 مازال حسين مدهوشاً بالموقف، بالرغم من معايشته لأحوال الحرب في المدينة إلا أنها ليست بهذا القرب، أخيراً قال جملة واحدة: المخزن في وسط المعسكر تماماً...

 لؤي ساخراً: جيد أنك تذكرت هذه المعلومة بسهولة وضحك من حالة حسين فنظره مركز على موقع المستودع الناري.

حسين: بجواره مخزن لأدوات السلامة هناك قسم للأدوات الطبية و قسم مكافحة الألغام…

القائد يونس: صه ..صه.. يبدو أن هذا الشاب له عمليات ذهنية متميزة..  

 حسام: أي عمليات متميزة أقصى ما يمكن أن نفكر به في هذه اللحظة هو سلامتنا الفردية ثم كيفية تعويض ذخائرنا المفقودة.

القائد: ماذا يوجد أيضاً في مخزن أدوات السلامة يا لؤي؟

لؤي بعدم اهتمام: مواد إصلاح المدرعات و ….فجاءة تحمس في كلامه وقال : وصناديق مواد إطفاء الحريق! نظر حسين إليه وهو مازال شارداً في نظرته : بالضبط

حسام بسخرية: عظيم ..وجدنا نقيض النيران المتطايرة ..ثم أشار إلى ناحية الانفجارات المتوالية، فقط أخبروني بالخطة الجهنمية التي ستوصل هذه المواد إلى وسط الجحيم الذي نواجهه.

حسين: المخاطرة هي في قيادة هذه وأشار إلى عربة مفتوحة من خلفها (تستخدم لتوريد أنواع من المؤن إلى المعسكر) وقد بدأ يستعيد تركيزه هنا ضج القائد من بطئ حسين

فقال: حسين هنا وفي هذا الوقت لا سبيل للمزاح.. من المغفل الذي سيقود هذه إلى وسط النيران المتطايرة. بدأ لؤي يركز نظره إلى الشاحنة محاولاً استباق كلام حسين، أما حسام فكان مشغولاً بتحديد النفق الأكثر أماناً للانتقال إليه.

 ضرب حسين رأسه بقبضته واستعاد تركيزه وقال : إذا ربطنا عجلة القيادة بدواسة الفرامل فسنضمن سيرها في خط مستقيم …

واصل حسام حديثه بنبرته الساخرة :والبنزين يتكفله ثقل ما، تبقى فاعلي الخير الذين سيوزعون هذه المواد وسط البركان النشط

قال الضابط: عبوة متفجرة قد تفي بالغرض!

أكمل حسين بارتياح : هذا هي الفكرة.

 القائد: لقد جئتَ لتُفيد يا حسين.. ابتسم حسين بارتياح ..

ثم وجه يونس كلامه إلى لؤي: أذهب وأحصل على القنبلة من مركز التدريب ..حسام أبحث عن زملاء في السرية للتطوع معنا مع تحمل عواقب المجازفة ونظر إلى زيد وزملائه ينتظر علامة التأييد منهم وحصل عليها على الفور.

قال حسين: سأذهب للتأكد من قابلية الشاحنة للاستخدام . حيث كانت تعلوها الأتربة وعلامات الإهمال، شغل القائد جهازه اللاسلكي وبدأ يتواصل مع قائده المباشر ثم قائد اللواء لإطلاعهم على خطتهم العازمون على تنفيذها، بعد قليل توافد الجميع على الشاحنة حسين يقود وبجواره القائد يونس وبالخلف حسام ولؤي. ا

لقائد: هل يرغب أحد بالتراجع؟

 حسام: من الذي يرغب بالتراجع ليصاب في ظهره؟

القائد: بسم الله.

شغل حسين الشاحنة عندما أشار له يونس بخط السير، يفصل بين مستودع المواد الأمنة وبين المستودع المتفجر تل شكل حاجزاً وأعطى بعض الأمان للأبطال الأربعة، بدا على زيد التوتر فقوة المتفجرات تزداد مع اقترابهم من الهدف الأول، تأمل القائد يونس حول المستودع فلم يجد الذين طلبهم من أفراد، ٲحس بنخزة خذلان ثم قال لنفسه: تظل هناك فرصة للحاق بعملنا. كأن الأرض تهتز من تحتهم من قوة الانفجارات، قفز لؤي ليفتح البوابة وبمجرد دخول الشاحنة لمح القائد حركة في جهة من المستودع جنديان طويلا القامة شرعا بتحضير صناديق المواد الطافئة للحريق إلى حيث يسهل تحميلها إلى الشاحنة وثالث قصير عريض انشغل بفتح الصناديق مع رابع معتدل البُنيه، ابتسم القائد يونس عند رؤيتهم وشعر بشيء من الفخر لتواجده مع هذا الفريق، تسارع العمل مع ازدياد عدد المشاركين، كذلك تزايدت الانفجارات.. بعضها كان قريباً، حتى المغامر زيد أخافته! الغريب أنهم لم يتوقفوا للاحتماء ولا مرة، 15 دقيقة ويكون العمل هنا منتهي 23 دقيقة منذ بداية القصف، أي أنهم سيمنعون أكثر من نصف الدمار، المشكلة في الخطوة التالية ..أنها الأكثر خطورة ..هي الأكثر مجازفة ..تكاد تكون عملية استشهادية، من سيذهب؟ سؤال فكر به حسين وهو يثبت الجلد (انتزعه من حاملات البنادق القديمة الذي وجدهن في غرفته) ليربط بين عجلة القيادة إلى دواسة الفرامل.

القائد: ساعتبر أنها معركة في الخطوط الأمامية ولكل فرد حرية اتخاذ القرار، لن ينقصك شيء إذا لم تأتي وبإذن الله ستكسب الأجر إذا تقدمت بشجاعة اليمني الأصيل، سأكون الراكب الأول وطبعاً ساحتاج لمن يقود.

سارع حسين لمكان السائق وهو يقول : جاهز يا فندم...لسبب ما مرَ على ذهنه طيف أبيه لثواني دق بقبضته على جبينه واستعاد تركيزه ليبدأ بتشغيل الشاحنة. بمجرد تحرك الشاحنة قفز حسام ولؤي إلى مكان جوار السائق وأنزلا القائد يونس منها، حاول أن يتمنع لكنهما غلباه فأحتل مكانه حسام وفي الخلف ركب لؤي، بالنسبة لحسين رفقة القائد أفضل وأكثر أماناً، إذا أجدنا التوصيف للوضع الحالي فهذا الفريق مطل على كارثة ملتهبة، أنهما فعلاً يقتربون من فوهة بركان، كلا أنها الجحيم بذاته، فقط مفصلة على قياسهم الثلاثة!

حسين: لؤي فَعل القنبلة وغادرنا هل ينتظر لؤي الأوامر؟ عند انتهاء حسين من كلماته كان لؤي قد قفز، قطعاً راقبَ تقلص المسافة بينهم وبين المستودع المنشود.

حسين: استعد

 حسام: أريد أخبارك بشيء قبل اللحظة الأخيرة أحس حسين بتوجس فهو يخشى من صديقه أمرين الاندفاع أكثر مما ينبغي أو الإصرار على فعل غير نافع!

 تجاهل حسين حساباته وقال : أسمعك وعينه على الطريق

فقال حسام وهو يرى الجحيم أمامه تقترب: بكل صدق ..أنا شديد الندم على قرار مرافقتك … ضحك حسين وتذكر أن صديقه صاحب فكاهة اللحظات الصعبة ،فتح حسين باب الشاحنة وكذلك فعل حسام، يبدو أن الفريق متناغم بشدة.

صرخ حسين: أقفز وتوجه لأقرب نفق. قفزا.. واستمرت الشاحنة بالسير في خط مستقيم مع قليل من الترنح بسبب عدم الاستواء التام للطريق الترابي، ظل حسين يراقب حتى دخلت من الباب المخلوع بسبب القصف، نظر حسين إلى ساعته ليحسب الوقت المتبقي لبدء الانفجار.

 قفز حسام إلى خندق حسين وقال: له من الأسلم الابتعاد عن هذا المكان.

وافق حسين حسام وانطلقا إلى نفق أبعد قال حسام: كم تبقى لنعرف أن مجازفتنا كانت مبررة؟

حسين وقد عاد تركز نظره على المستودع: أقل من دقيقة لتصل الشاحنة لموقعها و دقيقتين حتى تنفجر القنبلة . حسين: يجب علينا البقاء هنا الآن هزَ حسام رأسه مؤيداً وعينه تجول في السماء متوجسة من الصواريخ الخارجة من المستودع.

 وفجأة صرخ: ااااانبطح ..ورمى بنفسه على حسين وسحب باليد اليسرى كيس ممتلئ بالرمل ليغطيهما، سمعا صوت انفجار صاروخ صغير بجوارهما

حسام: آآآه.. شظية أصابت ساقه من الخلف

حسين وهو ينهض : مابك؟ رأى إصابة حسام فقال له: إذا نجحت خطتنا فادويتك قريبة من هنا.

توكأ حسام على يد حسين ليشاهد اللحظة المنتظرة، سمعا صوت الانفجار وتطاير المواد المكونة لطفايات الحريق، وبالتدريج خفتت النيران المتصاعدة من هناك، علامات السعادة على وجهه حسين والاندهاش على حسام، انتظرا قليلاً حتى تسكن العاصفة النارية، التفت حسين إلى الخلف فإذا بأفراد يقتربون منهما، العدد في تزايد مع الوقت كأنه فوج بشري قادم، نعم إنه القائد وجنود وبعض الضباط من سريتنا ومن غيرها. خرج حسين وحسام من النفق عندما اطمئنا لخمود النيران العشوائية، واقترب الفوج فإذا به لؤي أول الواصلين ليرتمي عليهما معانقاً.

حسام: آآآه

 لؤي: عذراً .. ما الذي أصابك؟ استمرا في حديثهما وحسين يراقب الجمع المقترب منهم وملؤه الإعتزاز، وصلوا تباعا وحيوا الابطال ثم تحلقوا حولهم، وأنشدوا الزامل وهم يدورون حولهم..

ولواء 27 جاهز مادام فيه حسين حاضر

أما القائد يونس فهو كالبرق لامع وكاسر

ولواء 27 جاهز مازال حسين مثابر

 أما لؤي وحسام فهما المنعة والزاجر …

وفتحت الحلقة ليخرجوا منها وفي نفس الوقت كل من كان حاملاً لسلاحه ساهم في ثلاث طلقات في الهواء تحية لهم عند خروجهم، سعادة حسين ليست مكتملة الأركان ينقصها أب وأخ، متى سينجلي الدخان وتنطفئ النار التي بينك وبين زيد؟

 بقلم أمل محمد الحداد


طباعة  

مواضيع ذات صلة