تقارير

بتوجيه نبوي ...الجند عاصمة اليمن

الزيارات: 2085

الجند بفتح الجيم والنون وسكون الدال وردت في قواميس اللغة بأنها المدينة وجمعها أجناد والجند الأرض الغليظة وقيل هي حجارة تشبه الطين .

خاص - صحيفة اليمن - علي الشراعي

بتوجيه نبوي ...الجند عاصمة اليمن

ومنطقة الجند سهل فسيح اخضر يقع في الناحية الشمالية الشرقية من مدينة تعز وتقع مدينة الجند على بعد 21 كم من مدينة تعز و كانت مدينة تعز من أعمال الجند سابقا . تاريخيا مدينة الجند من المدن التاريخية اليمنية المشهورة  منذ عصور ما قبل الإسلام  , وكانت واحدة من أسواق العرب القديمة وسميت بالجند نسبة إلى جند بن شهران بطن من المعافر  . ورد ذكرها في العديد من كتب التاريخ فقد ذكرها الهمداني في كتابه صفه جزيرة العرب بأنها ضمن مدن اليمن المشهورة وبأنها أول مدن اليمن على سمت نجدها وأنها من أرض السكاسك . كما ورد ذكر الجند في بعض أشعار العرب قبل الإسلام . وطول الجند أزيد من طول عدن بنصف درجة وعرضها ثلاثة عشر درجة . وجامعها  يعد من الجوامع الشريفة والذي اختطه الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم قبل السنة العاشرة للهجرة . أما تاريخ مدينة الجند في العصر الإسلامي فيبدأ في السنة السادسة للهجرة الموافق 628 م حينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحابي الجليل معاذ بن جبل إلى اليمن ليعلم الناس القرآن الكريم وأمور الدين الإسلامي الحنيف  فوصل معاذ إلى الجند وبنى مسجدها .

المخلاف الأكبر

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قسم اليمن إلى ثلاثة مخاليف هي مخلاف صنعاء و مخلاف الجند و مخلاف حضرموت , وقيل خمسة مخاليف هي مخلاف الجند وعين عليه معاذ بن جبل ومخلاف صنعاء وعين عليه خالد بن سعيد عاملا عليه ومخلاف حضرموت وعاملة زياد بن لبيد وعين المهاجر بن أبي أمية على كندة وعين أبا موسي الأشعري على  مخلاف زبيد ورمع وعدن . وبقيت اليمن في القرون الهجرية الأولي مقسمة إلى عدة مخالف وكانت مدينة الجند مركزا لأكبر هذه المخاليف مخلاف الجند و أعظمها ويضم مخلاف السحول ويسمى مخلاف الكلاع , ومخلاف جعفر ثم جميع مخلاف الجند المعافر , والسكاسك وجميع القطر التهامي شماله وجنوبه بما فيه عدن وأبين ويافع السرو واحور..  واورد الهمداني بان  جميع مدن وقري تهامة اليمانية  تنسب في دواوين الخلفاء إلى عمل الجند منها عدن وأبين والرواغ وموزع والشقاق والمندب وزبيد (الحصيب ) وحيس والقحمة وذوال والمعقر والكدراء والمهجم  والاشاعر وغيرهما .

جامع الجند

شكلت الجوامع الأساس القوى للبناء التعليمي والحضاري في اليمن وهي اعظم المؤسسات التعليمية في تاريخ الإسلام فالجوامع  لها دورها الاساسي في قيادة الأمة  للتعرف على تعاليم دينها ومبادئه السامية . فنالت اليمن شرف تحديد مواضع أول الجوامع التي أقيمت بها كالجامع الكبير بصنعاء وجامع الجند وكلاهما بنى في حياة الرسول الأكرم وبتوجيه منه  إلى مواضع بنائهما . وقد ساهم جامع الجند مساهمة فعالة في اليمن منذ فجر الإسلام وفي كل العصور التالية من تحقيق نهضة علمية شاملة وفيهما عقدت الحلقات العلمية وأُلقيت الدروس على طلبه العلم  واحتشد في هذا الجامع العلماء في شتى انواع العلوم والمعارف وتخرجت على ايديهم الاجيال المتتابعة من علماء اليمن الذين ساهموا مساهمة فعالة في بناء الحضارة العربية الإسلامية . ويروى إن سبب نزول معاذ بن جبل في الجند هو الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فسر حتي تأتي القاع من الجبل المنفرد بين الطورين العظيمين . وعلى أرض الجند شرع معاذ بن جبل في بناء الجامع في السنة السادسة وقيل السابعة للهجرة  وكان ذلك أول عمل يقوم به على أرض اليمن وكان في هذا العمل يقلد معلمه الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مهاجرا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة .و معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي يكنى أبا عبدالرحمن ولد سنة عشرين قبل الهجرة وكان من السباقين  إلى الإسلام فقد أسلم  وهو في ريعان شبابه  وسنة في الثامنة عشر على يد مصعب بن عمير . وكان قريبا إلى قلب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ويروى انه قال له : ( يا معاذ والله إني لأحبك ) وكان معاذ فقيها ومفتيا وقاضيا لذا عينه الرسول الكريم واليا على اليمن لتكون مهمته الدعوة والإشراف والتعليم والقضاء بالإضافة إلى المهام الإدارية والمالية . وحينما بعثه لليمن قال له المصطفي :( إنك تقدم على قوم من اهل الكتاب فليكن اول ما تدعوهم  إلى أن يوحدوا الله تعالي فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم فإذا صلوا فأخبرهم ان الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ) . وكان معاذ بن جبل هو أول من ألقى دروس العلم في مسجد الجند وكان ذلك من خلال محاوراته لكل من لديه سؤال يطلب عن الإجابة . وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن معاذ بن جبل الخليفة أبا بكر بالعودة من اليمن فأذن له فاستخلف معاذ على الجند عبدالله بن أبي ربيعة واستمر واليا على الجند حتي اخر عهد خلافة عثمان بن عفان . ولما استخلف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عين على الجند سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري .

عاصمة اليمن

أن اختيار مدينة الجند عاصمة  لليمن الموحد قد تم بأمر من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم عندما بعث بصاحبه معاذ بن جبل رضى الله عنه الذي أسس مخلاف الجند  كعاصمة مركزية لكل مخاليف اليمن , وأصبح معاذ ولي ولاة اليمن بأكمله  فقد كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يشرف من الجند على بقية مخاليف اليمن ويطوف عليها معلما واميرا . وكان من الأفضل لأهل اليمن لو كانوا حافظوا على الوصية والتركة والتراث النبوي الشريف الذي وضع أساسه الرسول صلى الله عليه وسلم والذي جعل مدينة  الجند عاصمة لهم . فأهميتها الدينية والتاريخية وموقعها الجغرافي ووجود جامع الجند فيها والذى بنى بعهد الرسول وبتوجيه منه جعل منها مركز الإشعاع الأول لنشر الدعوة الإسلامية إلى باقي أنحاء الجزيرة العربية وأفريقيا عبر البحر الأحمر وإلى الهند وجنوب شرق أسيا عبر البحر العربي والمحيط الهندي . وظل مخلاف  الجند عاصمة لليمنيين في فالفترات الأولى من العهد الإسلامي  . ومع ظهور الكيانات المستقلة في اليمن عن الدولة العباسية برز عدد من المدن اليمنية كعواصم لتلك الكيانات السياسية وأن كان بعض الدول اليمنية المستقلة قد أدركت تلك الحقيقة والتوجيه النبوي فاتخذت من مدينة تعز عاصمة لها فقد أهتم  قادة الأيوبيين بالجند إلى درجة أن استقر بها وبضواحيها اثنان من ابرز ملوكهم في اليمن حيث بنى احدهم في ضواحيها مدينة المنصورة لتكون حاضرة له ومعسكرا لجيشه . ومن بعدهم الدولة الرسولية (1226- 1454م ) والتي في عهدها الذي امتد قرابة قرنين من الزمن ونيفا واستطاعت توحيد اليمن تحت سلطتها, واتخذها عاصمة له الإمام أحمد يحيى حميد الدين خلال فترة حكمه الذي استمر 14 عاما . بعد ان نقل مركز حكمه  من صنعاء عام 1948 م ليتخذ من مدينة تعز مقر لحكمه ولدولته .

منبر فكر

نبغ من جامع الجند علماء كثيرون اشتهروا بالعلم والزهد والورع والصلاح وتخرجت على يديهم اجيال كثيرة وألف الكثير من هؤلاء العلماء العديد من المصنفات في مجالات العلوم المختلفة  وكانوا بمثابه منارات علم وفكر ومن أشهر علماء الجند في القرون الهجرية الأولي محمد بن عبدالرحمن الجندي روى عن معمر بن راشد وروى عنه الإمام محمد بن إدريس الشافعي وغيره . ومنهم طاووس بن كيسان اليماني . ومنهم الصحابي موسي الجندي ومعمر بن راشد وكثير بن عطاء الجندي وزمعه بن صالح الجندي وغيرهم . ومن أشهر علماء الجند في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي القاضي والمؤرخ أبي عبدالله بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي السكسكي مؤلف كتاب السلوك في طبقات العلماء والملوك  واعتبر ذلك الكتاب من المصنفات الهامة في تاريخ اليمن وشكلت مواضيعه اساسا هاما للعديد من الدراسات واخذ عنه الكثيرون من المؤرخين امثال الخزرجي وابن الديبع والسخاوي واعترف الكثير من المؤرخين والباحثين بجهود الجندي واهمية كتابه . أنشئت في مدينة الجند الكثير من مدارس العلوم الإسلامية وكان جامع الجند وهذه المدارس مراكز علم مشهورة يقصدها الدارسون والفقهاء والعلماء من كل اليمن ومن خارج اليمن منذ بداية العصر الإسلامي وحتي منتصف القرن السادس الهجري /  الثاني عشر الميلادي . ونال جامع الجند شهرة كبيرة منذ إنشائه فهو في مدينة كبري لها ثقلها الثقافي والحضاري حيث كانت قبل انشاء مدينة تعز التي جعلتها الدولة الرسولية عاصمة لها  وانتقل مركز الثقل العلمي والحضاري إلى تعز وتراجعت مدينة الجند حينما هجرت المدينة وفقدت اهتمام ملوك الدولة الرسولية بها من أيام الملك المظفر الرسولي بعد مقتل والده الملك المنصور عمر في مدينة الجند سنة 647هجرية 1249 م . ولكن ظل مسجد الجند منبرا من أرفع منابر الفكر الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية  , وقد شهد جامع الجند عناية كبيرة من سلاطين الدولة الرسولية حتى أصبح ذا تأثير نافذ وواسع النطاق فتخرج منه العديد من طلاب العلم وتولى التدريس فيه كوكبة من العلماء الأفذاذ  منهم الفقيه عبدالرحمن بن حديق الذى كان فقيها عارفا محققا اجتمع اليه بمسجد الجند جماعة من الفقهاء  وأخذوا عنه . كما تولى التدريس الفقيه المقرئ الليث البنائي وهو احد العلماء البارزين في علم القراءات السبع .

جمعة رجب

يعد جامع الجند احد الجوامع  التي بنيت في اليمن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتشير العديد من الروايات التاريخية إلى أن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه بنى جامع الجند في الموضع الذي بركت فيه ناقته في يوم أول جمعة رجب في السنة السادسة او السابعة للهجرة .  ومنذ تاريخ بداية تأسيس هذا الجامع في ذلك اليوم يعتبر اليمنيون يوم أول جمعة من شهر رجب من كل عام عيد تُلبس فيه الملابس الجديدة وتعطى الهدايا للأطفال ويتم فيه زيارة الأرحام وتقدم فيه الوجبات الغنية بأنواع وأشهي المأكولات وتقام الموالد ومجالس الذكر والعبادة ويجتمع فيه العلماء من اغلب مناطق اليمن لصلاة في جامع الجند في أول جمعة من شهر رجب  واهتم المؤرخون والرحالة العرب والمسلمون بمدينة الجند في مختلف الفترات في العصر الإسلامي ووصفوها وتحدثوا عن تاريخها وعلمائها كياقوت الحموي . وقال عمارة اليمني وبالجند مسجد بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه  ورأيت الناس يحجون إلى مسجد الجند  كما يحجون إلى البيت الحرام ويقول احدهما لصاحبه اصبر لينقضي الحج ويراد به حج مسجد الجند ولجامع الجند فضائل كثيرة , ولا يزال الناس يزورونه ويعظمون من شانه دينيا لما له من مكانه في قلوبهم كون بناءه جاءت بتوجيهات من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

مزايا متعددة

اكتسبت مدينة الجند اهمية بالغة نظرا إلى مزايا موقعها الجغرافي وانعكاساته على مكانتها السياسية واهميتها العسكرية ومن تلك المزايا المكانة التاريخية فمنذ أن صارت اليمن جزءا من الدولة الإسلامية كانت الجند العاصمة او المقر لوالي اليمن معاذ بن جبل الأنصاري رضي الله عنه الذي نزلها بناء على أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بان ينزل بها ويبني مسجدا جامعا فيها مما جعلها تحظى بمكانة مميزة لدى اهل اليمن . جغرافيا تقع مدينة الجند في موقع متوسط بين مخاليف اليمن مما أتاح لها الإشراف  على طرق المواصلات بين شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه ,. سكانيا الجند تقع وسط منطقة قبلية حمير ذات الامتدادات والبطون المتعددة والتي لها وزنها التاريخي في اليمن مما جعل مدينة الجند مركزا لكثير من مناطق اليمن الأوسط حتى قال عنها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان ( وأعمال اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة فوالى على الجند  وهو أعظمها ... ) مما يدل على  كثرة سكانها واتساع أعمالها والمسؤولية الإدارية الملقاة عليها . عمرانيا شهدت مدينة الجند منذ صدر الإسلام نهضة عمرانية جعلتها من أكثر مدن اليمن ازدهارا حتى باتت الجند مع منتصف القرن الخامس الهجري أعمر مدينة بالجبال واكثرها سكانا مما أهلها لتلعب دورا سياسيا وحضاريا بارزا في تاريخ اليمن الإسلامي على الرغم من تغير الأوضاع  والقوى السياسية في اليمن خلال عصر الانقسامات السياسية والصراع العسكري .

 

قاعدة للجيوش

في القرن السادس الهجري عاشت اليمن موجة من الحروب والصراعات  العسكرية بين القوى السياسية القائمة آنذاك  , وقد توسعت  مناطق القتال لتشمل معظم مناطق اليمن ومن بينها مدينة الجند التي برزت اهميتها العسكرية بالنسبة للقوى المتصارعة وصارت هدفا استراتيجيا للجيوش المتحاربة  ولعبت مدينة الجند دورا بارزا في  تلك الحروب فكانت قاعدة تنطلق منها الجيوش . وقد تجلت اهمية مدينة الجند العسكرية  من خلال ميزة الموقع  حيث تتوسط الجند ما يعرف بمنطقة اليمن الأوسط والتي تضم كثافة بشرية كبيرة إلى جانب كثرة حصونها فشكلت بذلك قاعدة عسكرية لتجمع الجيوش وانطلاقها في المناطق المجاورة وهي ميزة تفتقد إليها الحصون المنيعة في المنطقة التي كانت حصون صغيرة المساحة وتصلح لتواجد حاميات صغيرة العدد , كما ان الجبال المحيطة بالمدينة والتي لا تبعد كثيرا عنها شكلت مواقع استراتيجية لأقامه القلاع والحصون وبالذات جبلي صبر والتعكر اللذين أقيمت عليهما حصون ارتبطت بمدينة الجند ارتباطا وثيقا خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة . اضافه أن منطقة الجند تقوم على مساحة واسعة إذ تعتبر من المدن النجدية مما جعلها محاطة بفضاء واسع وظهير زراعي خصب تأتيه المياه من الجبال المحيطة بها , فتوافر مساحة واسعة للبناء والزراعة الأمر الذي يعني مساحة مناسبة لتحرك الجيوش ومعسكراتها وتأمين المؤن للجند والأعلاف للدواب . وقد استغلت القوى المتصارعة في اليمن آنذاك تلك المزايا العسكرية لمدينة الجند ووظفتها في حروبها وجعلها أشبه بقاعدة للجيوش . فقد اعتمدت الدولة الصليحية على الجند في إدارة جزء كبير من مناطق اليمن الوسطي والتي عرفت ب(الجند واعمالها ) , واعتماد الصليحين على مدينة الجند كقاعدة تنطلق منها قواتهم في غاراتها على بنى نجاح وبنى زريع بل واستخدمها أحد قادة الدولة الصليحية حين اعلن التمرد على السيدة أروي وتحصن بمدينة الجند . وحينما ضعفت الدولة الصليحية وبروز قوة بنى مهدي الذي كانت عاصمتهم زبيد تمكن هؤلاء من الأستيلاء على الجند وقاموا بتحصينها لتكون قاعدة أمامية ومتقدمة لقواتهم في الجبال ومنها تنطلق جيوشهم أثناء حملاتهم التوسعية نحو المناطق الداخلية . ونظرا إلى الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لمدينة الجند عملت القوى التي سيطرت عليها على تحصينها وبناء استحكامات حربية لحماية المدينة والذود عنها , ومع مطلع القرن السادس الهجري كانت مدينة الجند محاطة بسور له أبواب وكان منيعا ليصمد لحصار القبائل . ولكنها تعرضت للحصار اكثر من مرة بل و لخطر الاجتياح كون مصيرها النهائي كان مرتبط بالمعاقل والحصون القريبة منها كخطوط دفاعية متقدمة لها .

مطامع أمريكية

ومع بداية القرن السادس عشر الميلادي تعرضت اليمن للغزو الخارجي فمع ظهور البرتغاليين في سواحل البحر الأحمر ومن ثم غزو المماليك لليمن ووصولهم إلى صنعاء وما تلاه من تدخل العثمانيين في اليمن كانت منطقة الجند تشكل جانب كبير من الأهمية الاستراتيجية للمحتلين والغزاة ومع خروج العثمانيين منتصف القرن السابع عشر واستقلال اليمن ومن ثم ضعفها ودخول القوى اليمنية في صراع سياسي وعسكري وانفصال مناطق عديدة من شرقي اليمن وجنوبه عن الدولة المركزية في صنعاء ظلت مدينة تعز متمسكة ومحافظة على وحدة التراب اليمني وأن كان لها من المزايا المتعددة ما يؤهلها للانفصال لكنها كانت بمثابة قلعة وطنية شامخة رغم ما اصابها من ظلم واجحاف وتهميش في ذلك الوقت . وخلال الحرب العالمية الاولي 1914- 1918م .كان  الانجليز يتحركوا في سياستهم الخاصة باليمن على ضوء التقارير السياسية التي قدمها الخبراء في عدن أثناء فترة الحرب وعقب نهايتها ففي تقرير الجنرال والتون المقيم السياسي الانجليزي في عدن والذي رفعه إلى حكومة الهند الانجليزية في 13 مايو 1916م وتضمن ذلك التقرير أربعه اقتراحات  منها هو احتلال مدينة تعز وكان الغرض من ذلك فرض الوجود الإنجليزي على المنطقة الجنوبية الغربية من اليمن بحدود جديدة واستراتيجية يسهل الدفاع عنها عسكريا وسياسيا  والاستفادة من مناطقها الزراعية الواسعة . ومع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م . وبروز  الولايات المتحدة الأمريكية  كقوى عظمي وازاحتها لبريطانيا عن مسرح الحياة السياسية والعسكرية  ودخولها في ما عرف بالحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وعلى أثر الاتفاقيات التي عقدتها حكومة صنعاء مع البلدان الاشتراكية خططت الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير الأوضاع في شمال اليمن آنذاك لمصلحتها كاستمرار لمحاولاتها المتتابعة منذ زمن بعيد عن طريق بعض أفراد الاسرة الحاكمة كسيف الإسلام عبدالله بن يحيى حميد الدين الذي قُتل على يد اخيه الإمام أحمد بعد ثورة  المقدم أحمد الثلايا عام 1955م , ثم محاولاتها مع أخيه الحسن بعد شعورها بأن ولى العهد البدر لا تختلف سياسته عن سياسة أبية الإمام  أحمد الذي كان قد رفض عروض أمريكا للسماح بإقامة قاعدة عسكرية  لها في الجند مقابل خمسين مليون دولار .

 

أوقاف جامع الجند

حظى جامع الجند منذ بناءه على يدي الصحابي الجليل معاذ بن جبل وما يقوم به من دور ديني وما اكسبه من شهرة واسعة جعله قبلة للعلماء وطلاب العلم من داخل اليمن وخارجها لتلقي العلم والمعرفة ويكفي  مدينة الجند فخرا أن أول محكمة للقضاء في الإسلام كانت مدينة الجند بمنطوق الحديث وأن الفتوى في أوائل الدولة الأموية كان محصورا في عطاء بن أبي رباح مولى فهر وكان ينسب إلى الجند و أن أحد مشائخ الإمام الشافعي وهو محمد بن خالد الجندي أحد أبنائها . لهذا اوقف على جامع الجند العديد من الأوقاف منذ انشاءه حتى الحكم العثماني الأول لليمن فقد اوضحت مسودة أوقاف جامع الجند ان أعيان وقف جامع الجند  توزعت في كل من: مدينة تعز، وجبل صبر والتعزية، ومعظم أراضي وأودية قاع الجند ، وخدير، والقاعدة، والسفنة ، وماوية، والشرمان، وسورق، والحجرية، وصهبان، والحُشا، وقعطبة، وبعدان. وكانت جملة الأراضي الزراعية الواقعة في أخصب المواضع التي ذكرت: 5369 قطعة أرض. أما عراص البناء التي كان مقام عليها بيوت ودكاكين ومقاهي ومحدادات، ومعاصر في مدينة الجند فكانت 148 عرصة .

اهتمام رسمي

نظرا لمكانه جامع الجند فقد اهتمت به وزارة الأوقاف من خلال  ترميمه والاهتمام به والنزول الميداني بزيارته وتفقد أعمال الترميم والصيانة  ففي  اواخر عام 2018م تم  تدشين عملية إعادة وبناء وترميم ما تضرر من جامع معاذ بن جبل بالجند بعد أن وصل به الحال إلى التدهور والإهمال بسبب عدم استكمال عملية الترميم السابقة قد توقفت وتُركت الحفريات في محيط المسجد مفتوحة وهو ما تسبب في انسداد سواقي الجامع وأماكن تصريف مياه الأمطار التي تسببت بإحداث رطوبة تحت المسجد منذرة بكارثة سقوط أحد أبرز المعالم التاريخية الدينية في اليمن . أضافة  إلى تأثر هذا المعلم التاريخي بسبب قصف طائرات العدوان على اليمن حيث أثرت عليه الغارات الجوية التي نفذها العدوان على المعسكر المجاور للجامع . وفي شهر اغسطس 2020م قام محافظ  محافظة تعز سليم محمد المغلس ومعه نائب وزير الاوقاف والارشاد فؤاد ناجي ووكيل وزارة الاوقاف والارشاد لقطاع تحفيظ القران صالح الخولاني  بزيارة جامع الجند بتعز. وفي تلك الزيارة أكد محافظ تعز عن تقديره وشكره لوزارة الاوقاف على اهتمامها بالوقف الاسلامي والمعالم الاسلامية في تعز وجميع اجزاء الوطن ،ودعا المحافظ المغلس الى التكاتف والتعاون على انقاذ جامع الجند التاريخي وإعادته كما كان عليه والحفاظ على روحه التاريخية الأصيلة و مقتنياته الثمينة والتي بدأت اعمال ترميمها في الساحة الخارجية للجامع باعتباره معلما اسلاميا تاريخيا . ومن جانبه اشار نائب وزير الاوقاف والارشاد فؤاد ناجي عن سعادته بتفقد جامع الجند التاريخي  مشيرا إلى أن الجامع  يمتلك اوقافا كثيرة ستمكنه من اعادة ترميمه بطرق علمية وصحيحة والحفاظ على معالمه الاصلية.

طباعة

مواضيع ذات صلة