تقارير

الاحتلال السعودي الإماراتي .. شريعة الغاب والأجندات الاستعمارية في جنوب الوطن

الزيارات: 910

توالت في العامين الأخيرين أحداث الصراعات والانقسامات في جنوب الوطن والمناطق التي تقع تحت وطأة واحتلال دولتي العدوان السعودي الإماراتي

خاص - صحيفة اليمن - رفيق الحمودي 

الاحتلال السعودي الإماراتي .. شريعة الغاب والأجندات الاستعمارية في جنوب الوطن

ففي الأول من أغسطس 2019، أعلن مقتل قائد ما يسمى اللواء الأول “دعم وإسناد” “منير اليافعي أبو اليمامة” خلال عرض عسكري، إثر انفجار صاروخ داخل مقر المعسكر، وقد تبنى الجيش واللجان الشعبية مسؤوليته عن هذا الحادث كحق رد مكفول على العدوان ومع ذلك، وفي مؤتمر صحفي اتهم نائب ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” “هاني بن بريك”، حكومة الفنادق التابعة للفار “عبد ربه هادي منصور” وحزب “الإصلاح” ـ جماعة الإخوان ـ بالوقوف وراء الحادث.

 وفي 7 أغسطس، أعلن المجلس الانتقالي النفير العام للزحف نحو قصر معاشيق، لإسقاط حزب الإصلاح.

وبعد أربعة أيام من معارك انحصرت بين مليشيا محسوبة على “حكومة هادي” و مليشيا المجلس الانتقالي، حسمت الأخيرة المعركة وسيطرت على عدن، خاصةً بعد السيطرة على قصر معاشيق الرئاسي في 10 أغسطس.

وفي 28 أغسطس، أعلنت حكومة الفنادق بالرياض على لسان وزير إعلامها “معمر الإرياني”، أنها استعادت السيطرة على القصر الرئاسي في عدن وكامل المحافظة.

 وفي اليوم التالي، استعاد المجلس الانتقالي مرة أخرى مدينة عدن من جديد، بدعم جوي إماراتي.

 

الموقف الإماراتي

في 11 أغسطس 2019، أعلن وزير الداخلية التابع لحكومة الفنادق ، أن الإمارات شاركت بــ 400 عربة عسكرية في أحداث عدن وفي 21 أغسطس، أشار “محمد الحضرمي” نائب وزير الخارجية في “حكومة الفار هادي” المقيمة بفنادق الرياض ، إلى دعم الإمارات للمجلس الانتقالي في معارك الجنوب، مطالباً إياها بوقف هذا الدعم، وقد نفت الإمارات هذه الاتهامات، ما دفع مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة التابع لحكومة الفار هادي “عبد الله السعدي” أمام مجلس الأمن إلى القول “لولا الدعم الكامل الذي وفّرته الإمارات تخطيطا وتنفيذا وتمويلا لهذا التمرد، ما كان له أن يحدث”

 فضلاً عن تقديم شكوى ضد الإمارات في مجلس الأمن في 30 أغسطس، كرد فعل على غارات الإمارات على مواقع الجيش اليمني في عدن وزنجبار

وفي 8 سبتمبر، تم رصد مغادرة مليشيا عسكرية إماراتية قصر معاشيق وأخلت مواقعها بالكامل، ونقلت الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة باتجاه مقرها الرئيسي في البريقة

في المقابل وفي 14 سبتمبر، تم رصد تعزيزات عسكرية لمليشيا المجلس الانتقالي بدعم إماراتي، قدِمت من عدن لدعم  مليشياتها شرقي مدينة زنجبار بمحافظة أبين، وأخرى قدمت من محافظة شبوة إلى مدينة شُقرة بأبين، في مناطق تتمركز بها المليشيا المرتزقة التابعة لفار هادي

ووقعت اتفاقيات لإنهاء الصراع بين الانتقالي المدعوم اماراتيا وحكومة الفنادق المدعومة سعوديا لكنها بائت بالفشل لان الطرفين الداعمين وهما السعودية والامارات يريدان استمرار الصراعات لتنفيذ اجنداتهما الخاصة بهما.

ومؤخرا وفي ال30 من ديسمبر المنصرم وقبل أيام عادت حكومة الفنادق الجديدة إلى عدن وفور وصولها تم استقبالها بتفجيرات كبرى دوى سماعها بأرجاء المحافظة وذهب ضحيتها أكثر من مائة وعشرين شخص بين قتيل وجريح.

وتبادلت حكومة الفنادق والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي مرارا الاتهامات بالخروج عن نص ما سمي باتفاق الرياض وعرقلته، في الوقت الذي دخل فيه الاتفاق حيز التنفيذ ومضى شهر على توقيعه.

وانتقد المجلس الانتقالي ، رفضه لما سماه عملية التحشيد المستمرة باتجاه الجنوب، وهو ما نفته حكومة الفنادق.

وبعد أن قالت "حكومة فنادق الرياض" في بيان نشرته وكالة الأنباء بعدن (سبأ) إنها «تؤكد التزامها الثابت والصارم باتفاق الرياض، وتنفيذ بنوده كافة وفق الآلية المحددة»، نفت حكومة الفنادق «بشدة، وجود أي عملية تحشيد عسكري نحو عدن، كما جاء في بيان للمجلس الانتقالي».

وأوضحت حكومة الفنادق أن «تحرك المليشيا التي قدمت إلى محافظة أبين باتجاه محافظة عدن هي عبارة عن سرية تابعة للواء الأول، حماية ، الذي نص الاتفاق على عودته بالكامل إلى محافظة عدن، والسرية المكلفة بالنزول تحركت بالتنسيق مع العدوان، وفق بنود اتفاق الرياض».

وحمّل المتحدث باسم حكومة الفنادق راجح بادي «المجلس الانتقالي مسؤولية التصعيد ومحاولة عرقلة اتفاق الرياض من خلال هذه الممارسات غير المسؤولة، التي تعكس نوايا مبيتة لعرقلة تنفيذ الاتفاق».

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن على لسان المتحدث باسمه نزار هيثم أنه «يُجدد التزامه الكُلي بمضمون اتفاق الرياض، ويدعو الطرف الآخر للتعامل بالمثل، كما يعبّر عن رفضه لكل محاولات حكومة الفنادق الخروج عن نص الاتفاق، ومن ذلك عملية التحشيد المستمرة باتجاه الجنوب، وفي هذا الاتجاه يؤكد المجلس تمسكه بحقه في الدفاع عن أرضه، وعلى قدرته في التصدي وردع أي قوة تحاول تجاوز خطوط التماس الحالية، ويدعوها للانسحاب فوراً».

وزاد البيان، «إن المجلس الانتقالي مع السلام ويدعم ويبارك جهود دول العدوان بقيادة السعودية لتجاوز المشكلة الراهنة وتوحيد الجهود حسب زعمها.. وفي هذا الصدد حذر المجلس الانتقالي من محاولات جماعة (الإخوان) المتطرفة إفشال الاتفاق ».

وذكر البيان أن المجلس يؤكد أنه و المليشيا الجنوبية، جادّون للسلم احتراماً لالتزاماتهم ، وكذلك هم جاهزون بالقوة لردع كل متطاول ومستهتر، مع التأكيد على أهمية المضي قدماً إلى جانب دول تحالف العدوان والمجتمع الدولي في مزاعم محاربة الإرهاب رغم أنهم هم من ينفذون كافة أشكال العدوان والارهاب بالشراكة مع السعودية وأدواتها ومرتزقتها من حكومة الفنادق.

كتاب وإعلاميون كانوا قد سخروا وتناولوا الصراع بين الامارات والسعودية ومرتزقتهما ففي صحيفة "الثورة" اليمنية بصنعاء، يقول كريم الحنكي: "سعدت بالنتيجة التي انتهى إليها فصل من فصول صراع العملاء الدائر في عدن وأثره في غيرها من المناطق اليمنية المحتلة، بانتصار أذناب أبو ظبي ومجلسهم الانتقالي العميل للعدوان الأمريكي الصهيوني بشقه الإماراتي الوكيل، على نظرائهم أذناب الرياض وما يسمى بشرعيتهم الانتقالية لدول للعدوان ذاته بشقه السعودي الكفيل".

ويرى كتاب وصحافيون أن هذا التطور يمكن أن "يؤدي على الأرجح إلى تمهيد السبل لتسوية سياسية مقبولة لهذه الحرب العدوانية التي طالت واستطالت على بلادنا، وتحريك فرصها وآليات حلها السلمي اللائق".

وفي الصحيفة نفسها، يقول عبد الله الأحمدي إن "ما يحدث من عبث في عدن هو تعبير مكثف عن صراع السعودية والإمارات في اليمن على اقتسام اليمن"، وأنه يُعبّر عن "فشل ما تسمى الشرعية ومرتزقة العدوان في إدارة المناطق (المحتلة)".

ويقول إبراهيم نوار، في "القدس العربي" اللندنية، إن "الإمارات كانت أهم حلفاء السعودية في حرب اليمن، لكن أهدافها كانت تختلف عن أهداف السعودية، كذلك فإن حلفاء الإمارات في اليمن لم يكونوا هم حلفاء السعودية. وبسبب اختلاف الأهداف والمصالح والحلفاء المحليين، فإن الإمارات راحت تراجع نفسها عندما اصطدمت حساباتها في حرب اليمن بثلاث عقبات رئيسية".

ويحدد الكاتب هذه "العقبات" أولاً بطول الحرب التي مضى عليها أكثر من أربع سنوات "ولا تبدو لها نهاية تلوح في الأفق"، وثانياً "بعدوان السعودية مع حزب الإصلاح، الإخوان المسلمين ... هذا الحلف المقدس أثار حفيظة الإماراتيين الذين يتزعمون تيار مقاومة الإخوان في العالم العربي وليس في اليمن فقط"، وثالثاً "بالهجمات الأخيرة على ناقلات نفط واحتجاز أخرى في الخليج ومضيق هرمز، وهو الأمر الذي هدد موانئ الإمارات ومطاراتها".

ويرى محمد النوباني، في "رأي اليوم" الإلكترونية اللندنية، أن "العدوان السعودي- الإماراتي ... على الشعب اليمني الشقيق استند إلى مبرر واحد وكاذب وهو دعم ما يسمى بالشرعية المزعومة في اليمن بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وذلك لإخفاء أهدافه الحقيقية وهي سرقة ثروات الشعب اليمني والسيطرة على شواطئه وموانئه على البحر الأحمر وضمان مصالح أمريكا وإسرائيل في منطقة مضيق باب المندب الاستراتيجي".

وبحسب مراقبين فإن دعم السعودية والإمارات للخصمين في اليمن يشي بوجود خلاف حول استراتيجية الصراع على الأرض ويعكس تبايناً واضحاً في أجندة الدولتين، فالسعودية التي تدعم "حكومة الفنادق" تزعم كاذبة أنها تريد استقرار اليمن وعدم انفصاله بينما هي تعمل على العكس من ذلك ولأجل تنفيذ أجنداتها الخاصة بها  لكن تغريدات رئيس وزراء حكومة الفنادق تؤكد وجود دور إماراتي في النزاع الحالي.

ولي عهد مملكة الشر محمد بن سلمان، كان قد صرح سابقاً بأن الحديث عن خلاف بين مليشيا السعودية والإماراتية في اليمن هو مجرد إشاعات، نافياً ما تردد عبر وسائل الإعلام، عن وجود خلاف بين الدولتين بخصوص القتال في اليمن لكن بالوقت ذاته يعترف سياسيون وقيادات يتبعون العدوان بوجود خلافات واطماع حول تقاسم ثروات اليمن

ويقول نيل بارتريك الخبير بمعهد كارنيغي في دراسة بعنوان "الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن"، إن السعوديين يخشون "أن تنتزع الإمارات مواطئ قدم استراتيجية ومن ثم تقويض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للسعودية"، وهذه المخاوف تشتد بسبب "الدور المتوسِّع تدريجياً الذي تؤديه الإمارات في الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر"، في إشارة منه إلى سلاح البحرية الإماراتي الموجود في شرق إفريقيا وفي جزيرة سقطرى اليمنية.

وفي هذا الصدد يعترف ماجد المذحجي، التابع لحكومة الفنادق و مدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في لقاء مع DW عربية، إن ما حدث في عدن  أن "السيطرة على عدن وهذا الشكل من التصعيد العسكري ما كان ليتم دون موافقة السعودية لكن الأمر هو شكل من أشكال تناقض المصالح والاستراتيجية بعيدة المدى في اليمن، وإن السعودية راضية وهي الوحيدة التي كان يمكنها وقف مثل هكذا مسار عسكري بسهولة وبصوت واضح".

ويضيف ماجد المذحجي أن ما حدث في عدن أمر متوافق عليه بين السعودية والإمارات، والدليل على ذلك هو "عدم تحرك السعودية على الرغم من رؤيتها لحكومة الفار هادي وهي محاصرة، هذا الموقف يؤكد أنها موافقة على ما حدث وإلا لكانت قد فضت هذا المسار بأكمله وضغطت على حليفها. فهناك حقيقة واحدة وبسيطة هي أن السعودية من يقود العدوان والإمارات نفسها تؤكد باستمرار أنها تعمل تحت إمرة السعودية" في الملف اليمني.

ويرى مراقبون ايضا أن الشواهد على انحراف الإمارات عن أهداف تحالف الشر المزعومة ، وهي بدأت مبكرًا، تجسدت عبر الفرز المناطقي، ودعمها وإبرازها لعناصر محددة على الساحة، واتضح أكثر بإصرارها على إقالة وإبعاد قادة المقاومة الوطنية الحقيقيين من السلطة المحلية في عدن ومحاولة تصفيتهم.

وليس أقلها إن الإمارات منعت الفار هادي والبرلمان وحكومة الفنادق من العودة إلى عدن وممارسة صلاحيتهم، وتوجت ذلك باحتلال المطارات والموانئ ومنع تصدير النفط والغاز والزج بالعشرات من شباب المقاومة في سجون سرية وتعذيبهم.

وكان في وقت من الأوقات في كل مركز أمني، أو إدارة خدمية أحد الضباط الإماراتيين، أو الموالين لها، يعملون لحساب أبو ظبي في عدن وأغلب المحافظات الجنوبية.

كما أن تمكين الإمارات لرجالاتها وتأسيس خلايا جنوب اليمن تنفذ أجندتها، مسار لم يكن وليد اللحظة، ويمتد من لحظة استعادة المحافظة حين قامت ببناء أذرع أمنية وعسكرية خارج إطار حكومة الفنادق ، وقوضت مؤسسات الدولة.

وتركزت استراتيجية الإمارات حسب عبد السلام محمد، رئيس مركز “أبعاد” للدراسات والبحوث، في “السيطرة على الموانئ والتواجد في الساحل الغربي على الضفة الأخرى من منطقة القرن الافريقي، التي تمتلك فيها قواعد عسكرية”.

كما حولوا بلدة “ذو باب” القريبة من باب المندب إلى قاعدة عسكرية يتحكمون فيها بالكامل، وهجّروا جميع سكان البلدة البالغ عددهم نحو عشرة آلاف مواطن، ونقلهم إلى خيام في منطقة صحراوية، وفي ظروف قاسية، من أجل تحويل مساكنهم إلى ثكنات عسكرية.

سياسيون ومهتمون بالشأن اليمني يرون أن الخطط الإماراتية للسيطرة وتعزيز نفوذها جنوب اليمن، ثم بسط يدها على المواقع الاستراتيجية، تعود إلى عام 2011 ومن يومها وعينها أساساً على الموانئ التي تعتبر مجالاً حيوياً يسيل له لعاب ساستها.

واستشاطت أبو ظبي غضباً لإلغاء مجلس إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية، التي وقّعها نظام الرئيس السابق علي عبد الله في العام 2008.

القرار الذي أغضب الإمارات تقف خلفه حكومة الوفاق التي تشكلت بعد الإطاحة بعلي عبد الله صالح عفاش الذي لم يهتم كثيراً لتعطيل الميناء الحيوي جنوب بلاده من قبل شركة وقعت عقداً لتطويره وتشغيله لا تعطيله، كونه -أي ميناء عدن- يقع على الخط الملاحي الدولي الرابط بين الشرق والغرب.

الإمارات التي تطمح إلى أن تكون مركزاً دولياً في الملاحة البحرية، (موانئ دبي العالمية تدير ما يقارب 70 ميناء في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية مروراً بإريتريا وجيبوتي) ترى في أي محاولة لتطوير ميناء عدن الاستراتيجي أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم، مهدداً لأمنها القومي والاقتصادي.

وبينما تمضي الإمارات في تنفيذ أجنداتها خلف أذرعها الممتدة في كل مكان جنوب اليمن، جاءت ردود الفعل على قرار المجلس الانتقالي الجنوبي خجولة وغير فعالة.

السعودية التي تسجن حكومة الفنادق وقادة الارتزاق ومقر دول العدوان الذي أعلن تشكيله لزعم دعم وحدة اليمن كذبا ، لم تبد أي تحرك جاد لوقف خطوات تقسيم الجنوب.

وتوالت ردود الفعل الأخرى على المنوال نفسه حيث أعرب وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، عن قلق الولايات المتحدة إزاء الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك الإعلان عن الحكم الذاتي واستمراره بالصراع مع حكومة الفنادق .

لكن خلف تلك الدعوات والتصريحات تمضي الإمارات في تنفيذ أجندتها الخاصة وأطماعها مثلما تمضي لسعودية بالمنوال ذاته وفي تنفيذ سياساتمها، وتبذلان المساعي لبسط نفوذهما جنوب اليمن، ضمن استراتيجيتمها التوسعية في المنطقة.

طباعة

مواضيع ذات صلة