الثورة الايرانية.. حقائق للتاريخ (1)

الثورة الايرانية.. حقائق للتاريخ (1)

خالد العبسي 

نجاح الثورة الاسلامية الايرانية شكل انعطاف تاريخي كبير منذ بداياتها الاولى لأنها لم تكن ثورة شعبية عادية محدودة الزمان والمكان وانما كانت من الثورات العالمية الكبرى التي غيرت خارطة مصالح القوى الاستعمارية التي فرضتها في المنطقة لنهب ثروات الشعوب بعد الحرب العالمية الاولى والثانية ووضعت الثورة خيارات تحررية ومسار جديد لاستقلال القرار السياسي والسيادة الوطنية والحفاظ على ثرواتها لصالح شعبها وتقدمه بعيدا عن الهيمنة الاستعمارية الخارجية واربكت كل التوازنات في منطقة الشرق الأوسط والعالم وهددت المصالح الامبريالية للشركات النفطية الاحتكارية الكبرى التي تقاسمت نهب ثروات شعوب المنطقة ومبكرا وصفت قيادة الثورة الايرانية الامبريالية الامريكية بالشيطان الاكبر المعادي لكل مشروع ثوري تحرري لشعوب العالم كما وصفت الكيان الصهيوني الاسرائيلي اللقيط بالغدة السرطانية الخطيرة التي تهدد جسد الأمة العربية خصوصا والامة الاسلامية عموما ومن هذا المنطلق جدد مشروع الثورة الايرانية التحري من الهيمنة الامبريالية أبعاده الداخلية على مستوى الساحة الايرانية وأبعاده الاقليمية على مستوى دول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط وأبعاده العالمية على مستوى القوى الدولية الفاعلة.

ومن المهم التركيز في هذا الموضوع على تأثيرات نجاح الثورة الايرانية عام 1979م على دول المنطقة العربية شعوباً وأنظمة رسمية وبالذات على مسارات الصراع العربي الاسرائيلي الذي وضعت قيادة الثورة الايرانية فيه كداعم لنضال الشعب العربي الفلسطيني في استعادة كامل حقوقه العادلة بالرغم من كل التناقضات العربية حينها التي سببتها تداعيات اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عام 1979م وبموجب تلك الاتفاقية حقق الكيان الصهيوني اكبر اختراق في تاريخه للصف العربي والاسلامي الرسمي بخروج جمهورية مصر العربية بكل ثقلها العسكري والامني والسياسي والاقتصادي والثقافي من معادلات الصراع العربي الاسرائيلي وقيام الرئيسي المصري أنور السادات بزيارة رسمية لإسرائيل وإلقاء خطاب تطبيع امام الكنيست الاسرائيلي أعلن فيه بداية مرحلة التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني وظلت تداعيات ذلك الحدث محدودة في اطار الانظمة الرسمية الداعمة للسادات والتطبيع اما على صعيد الموقف الشعبي فقد رفض الشعب العربي المصري كل سياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني وتضامنت معه كل الشعوب العربية والاسلامية ولازالت جبهة الرفض الشعبي للتطبيع قائمة ومتماسكة ومتضامنة مع القضية العادلة للشعب العربي الفلسطيني وستظل كذلك حتى ينال كامل حقوقه وسيادته على ارض فلسطين وفي مقدمة تلك الشعوب المتضامنة مع الشعب الفلسطيني الشعب اليمني والشعب الايراني الشقيق بمواقف واضحة وقوية تأتي في سياق المواقف الشجاعة لقيادتي الشعبين المناهضة للامبريالية الامريكية والصهيونية الاسرائيلية.

وكل الحقائق التاريخية تؤكد أن انظمة المحميات الاسرية الوراثية الريعية في السعودية والخليج كانت ولازالت تمارس دورها الوظيفي كمنصات متقدمة لتمرير وتمويل كل المخططات الامبريالية الامريكية والصهيونية الاسرائيلية المعادية لمصالح الشعوب العربية والاسلامية عموما والشعب العربي الفلسطيني خصوصا بغطاء عربي واسلامي ولما كانت الثورة الشعبية في إيران وقيادتها الثورية تتلمس خطواتها الاولى التي أربكت كل مخططات وسياسيات الامبريالية الامريكية والصهيونية الاسرائيلية في المنطقة التي وضع لبنات اساسها الأول وزير الخارجية الأمريكي السابق "هنري كيسنجر" اليهودي الأصل والصهيوني المخضرم ومهندس كل المخططات الامبريالية والصهيوني وفقاً لظروف ومعطيات استراتيجية تلك المرحلة يتحقق فيها حماية امن ومصالح الكيان الصهيوني وحماية عروش أنظمة المحميات الاسرية الوراثية الريعية في السعودية والخليج كأدوات فاعلة لتصفية قضية الشعب الفلسطيني وتمدد الكيان الصهيوني بالإضافة الى حماية المصالح النفطية للشركات الاحتكارية وحماية مسارات النفط من مصادر الإنتاج إلى الأسواق المستهلكة وحماية المنطقة من المد الشيوعي حينها ولم يكن في حسابات هنري كيسنجر وفريقه الاستراتيجي قيام الثورة الشعبية الإيرانية ونجاحها وتداعياتها الايجابية على شعوب المنطقة التي غيرت سياقات الأحداث حينها جذرياً.

ولذلك بدأ الصهاينة والامريكان واذيالهم انظمة المحميات الاسرية الوراثية الريعية في السعودية والخليج بمحاولات اجهاض ثورة الشعب الايراني من الداخل وفشلوا ثم قاموا بتنفيذ مخطط استقطاب رئيس النظام العراقي صدام حسين واستغلال رغباته في المغامرة وزعامة النظام العربي ودفعه لانقلاب على اتفاقية ترسيم الحدود بين العراق وإيران في شط العرب والاهواز الموقعة في الجزائر عام 1975م مع الجانب الايراني من قبل صدام حسين ذاته عندما كان نائب للرئيس العراقي احمد حسن البكر حينها ثم صار رئيس للعراق وأعلن عام 1980م حرب قادسية صدام وبداية الهجوم العسكري العراقي الشامل ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بذريعة إيقاف تصدير الثورة الإيرانية واستمرت تلك الحرب ثمانية أعوام حتى 1988م استنزفت كل طاقات الشعبين الشقيقين العراقي والإيراني برعاية وتخطيط امريكي صهيوني إسرائيلي لنظام صدام حسين وتمويل سعودي خليجي ونفذت امريكا اهداف سياسة الاحتواء المزدوج لحماية اسرائيل وانظمة المحميات الرجعية العربية التي كانت تتضمن إجهاض الثورة الشعبية الايرانية وتدمير العراق وفعلا حققت جانب من خطتها وهو تدمير مقدرات العراق وفشلت في إجهاض الثورة الاسلامية الايرانية وخلال الحرب العراقية الايرانية لم يقف من الانظمة العربية الرسمية سياسيا ودبلوماسيا مع الموقف الايراني سوى النظام السوري بقيادة الرئيس حافظ الاسد ونظام جمهورية اليمن الديمقراطية بقيادة الرئيس علي ناصر محمد اما نظام الجمهورية العربية اليمنية بقيادة علي عبدالله صالح وقف الى جانب الصهاينة والامريكان وأنظمة المحميات الرجعية العربية وشارك عسكريا في الحرب من خلال إرسال ألوية العروبة العسكرية الى الجبهات العراقية المتقدمة في جزيرة الفاو وكانت القوات العسكرية التي تم تنظيمها في إطار ما سمي حينها بألوية العروبة من قبل نظام صنعاء هي حصيلة قوات الجبهة الوطنية الديمقراطية التي اتفقت قيادتها مع نظام صنعاء عام 1981م على التطور السلمي الديمقراطي واستغلها علي عبدالله صالح بإرسالها الى العراق للدفاع عن القومية العربية وتصديرها الى محارق تلك الحرب للتخلص منها.


طباعة  

مواضيع ذات صلة