
أصيل علي البجلي
عشر سنوات مرت، وعقارب الزمن لم تتوقف عن الدوران، شاهدة على مأساة شعب أبيٍّ، شعب اليمن، الذي وقف صامدًا في وجه أعتى عدوان شهده التاريخ الحديث، عدوان تقوده قوى الاستكبار العالمي، ممثلة في السعودية وحلفائها، وبدعم أمريكي لا محدود..
رهيب التبعي
إبادة الأطفال الجماعية في غزة ليست مجرد جريمة حرب، بل هي وصمة عار على جبين البشرية، تكشف الوجه الحقيقي للنظام العالمي الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان بينما يصمت أمام مذابح تُرتكب بحق الأطفال الأبرياء. المشاهد القادمة من غزة تُظهر أطفالًا تحت الأنقاض، أجسادًا متفحمة، وعيونًا تحدّق في الفراغ بعد أن فقدت كل شيء. هذا ليس مجرد قصف عشوائي، بل هو استهداف متعمد لجيل كامل يُراد له أن يُمحى من الوجود، في ظل تواطؤ عالمي مريب يتيح للعدو الصهيوني ارتكاب جرائمه دون حساب.
المجازر التي تُرتكب بحق الأطفال ليست أحداثًا استثنائية، بل هي نهج ثابت في سياسات الاحتلال، حيث يُنظر إلى قتل الأطفال على أنه وسيلة لضمان تفوقه العسكري والديموغرافي، متجاهلًا كل الأعراف والمواثيق الدولية التي تحرّم استهداف المدنيين. ومع ذلك، فإن العالم الذي يملأ الدنيا ضجيجًا عندما يكون الضحايا في أماكن أخرى، يصمت عندما يكون القاتل صهيونيًا والضحايا فلسطينيين. هذه الازدواجية في المعايير ليست جديدة، لكنها في حالة غزة وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الوقاحة، حيث يُبرَّر قتل الأطفال بأنه "دفاع عن النفس"، وكأن حياة الفلسطيني لا قيمة لها.
الإبادة الجماعية للأطفال في غزة لا تحدث في الخفاء، بل تُبَثُّ على الهواء مباشرة، ومع ذلك، فإن المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، تبدو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء فعلي لوقف هذه المجازر. بل إن بعض القوى الكبرى، التي تدّعي قيادة العالم الحر، تواصل تزويد الاحتلال بالسلاح والدعم السياسي، متجاهلة كل الجرائم التي تُرتكب بحق الأبرياء. في المقابل، نجد أن بعض الأنظمة العربية تتخذ موقف المتفرج، أو الأسوأ من ذلك، تمارس ضغوطًا على المقاومة بدلاً من أن تمارسها على المحتل، وكأن المشكلة ليست في الاحتلال، بل في الذين يدافعون عن أرضهم وشعبهم.
إن ما يحدث في غزة اليوم لن يُنسى، وستظل صور الأطفال الشهداء تطارد الضمير الإنساني لعقود قادمة. لكن التاريخ أثبت أن الاحتلال مهما طغى، فإنه لن يستطيع كسر إرادة شعب قرر الصمود والمقاومة. وإذا كان العالم اليوم متواطئًا أو صامتًا، فإن المستقبل سيحمل حتمًا الحساب لكل من ساهم في هذه المجازر، لأن الحق لا يُمحى، والعدالة قد تتأخر، لكنها لا تموت.
محمد صالح حاتم
عشرة أعوام من العدوان والحصار الاقتصادي السعودي الإماراتي، برعاية ودعم ومشاركة أمريكية صهيونية، تُطوى بأيامها المثقلة بالآلام والمآسي، مخلفةً وراءها دمارا هائلا وخسائر بشرية ومادية لا تُحصى. فمنذ 26 مارس 2015، واليمن يواجه عدوانا عسكريا إرهابيا جوّيا وبرّيا، حربا لم تُبقِ ولم تذر، استهدفت البشر والحجر والشجر، طالت البنية التحتية، والمنازل، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، والمصانع، والموانئ، والمطارات، والمنشآت الزراعية، والمساجد، والطرقات، وكافة المشاريع الخدمية، في محاولة لتركيع الشعب اليمني وكسر إرادته. لكن اليمن لم ينكسر، بل صمد، وقلب المعادلة، وبات اليوم قوة لا يمكن تجاهلها.
لقد أدى العدوان والحصار إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث انهار الاقتصاد، وتراجعت قيمة العملة المحلية، وحُرم الموظفون من مرتباتهم، وارتفعت معدلات البطالة والفقر، فيما يواجه الملايين شبح المجاعة. كان الهدف من الحصار هو تركيع الشعب اليمني عبر سياسة التجويع، وفرض الأجندات السياسية بالقوة، وهي ورقة لا يزال العدو يراهن عليها حتى اليوم، لكن الشعب اليمني أثبت أنه على قدر التحدي، إذ واجه العدوان بصبر وثبات، ورفض الخضوع رغم شدة المعاناة.
على مدى السنوات العشر، أثبت اليمنيون أنهم ليسوا فقط قادرين على الصمود، بل على قلب الموازين. فقد تطورت القدرات العسكرية اليمنية بشكل مذهل، بدءا من تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وانتهاء بمنظومات الدفاع الجوي والسلاح البحري، لتتحول اليمن من بلد مستهدف إلى قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب. اليوم، تمتلك اليمن قدرة ردع حقيقية، جعلت قوى العدوان تدرك أن استمرار الحرب لم يعد في صالحها، وأن الزمن الذي كانت فيه السعودية والإمارات تفرضان شروطهما قد ولّى.
لم تعد اليمن مجرد ساحة للصراع، بل أصبحت رقما صعبا في المعادلة الإقليمية. فبفضل التطور العسكري والصمود السياسي، تحولت صنعاء إلى قوة مؤثرة تفرض واقعا جديدا، سواء في معادلات الأمن البحري، أو في موازين القوى في المنطقة. لقد راهن تحالف العدوان على إسقاط اليمن في أسابيع، لكنه اليوم يبحث عن مخرج، بعد أن اصبحت مقوماته الاقتصادية تحت رحمة صواريخه وطيرانه المسير،وفشل دفاعاته الجوية في التصدي لها،بالإضافة إلى استهداف المصالح الاستراتيجية لدول الاستكبار العالمي، وباتت اليوم تحكم قبضتها على باب المندب والبحر الاحمر، وحطمت اسطورة البوارج وحاملات الطائرات الامريكية.
عشر سنوات من الحرب أثبتت أن القوة العسكرية وحدها لا تصنع النصر، وأن إرادة الشعوب وعدالة القضية، أقوى من الطائرات والصواريخ. لقد حان الوقت لتحالف العدوان وأمريكا أن يستوعبوا الدرس، ويدركوا أن السلام في اليمن لم يعد خيارا، بل ضرورة لاستقرار المنطقة بأكملها. فاليمن اليوم لم يعد ذلك البلد الذي يمكن استهدافه دون رد، ولم يعد ذلك البلد الذي يمكن فرض الإملاءات عليه بالقوة.
إن أمن اليمن من أمن المنطقة، ولن يتحقق الاستقرار في الجزيرة العربية والخليج إلا بوقف العدوان، ورفع الحصار، واحترام سيادة اليمن ووحدته. فمن يريد السلام، عليه أن يخطو نحوه بصدق، أما من لا يزال يراهن على كسر اليمن، فهو يراهن على وهم، لأن هذا الشعب أثبت أن المستحيل بالنسبة له مجرد كلمة.