محمية برع الطبيعية.. وجهة سياحية ومبادرات تنموية بمشاركة مجتمعية واسعة

يحيى الربيعي - خاص اليمن

تأتي أهميتها من منطلق أنها تعد من بقايا الغابات الاستوائية التي كانت سائدة في مناطق جنوب الجزيرة العربية إلى وقت غير بعيد، إذ يوجد بها 315 نوعا نباتيا لـ 83 فصيلة و209جنس، وتقدر بحوالي 10% من النباتات الموجودة في اليمن. منها 63 نوعاً نادراً وليس ذلك فحسب، بل ويوجد فيها أيضاً 9 أنواع من الثدييات البرية، كما تعد المنطقة من ضمن 57 موقعاً لحماية الطيور، إذ يوجد بها 93 نوعاً تقريباً، فضلاً عن 13 نوعاً من الزواحف.

محمية برع الطبيعية.. وجهة سياحية ومبادرات تنموية بمشاركة مجتمعية واسعة

يحيى الربيعي - خاص اليمن

تأتي أهميتها من منطلق أنها تعد من بقايا الغابات الاستوائية التي كانت سائدة في مناطق جنوب الجزيرة العربية إلى وقت غير بعيد، إذ يوجد بها 315 نوعا نباتيا لـ 83 فصيلة و209جنس، وتقدر بحوالي 10% من النباتات الموجودة في اليمن. منها 63 نوعاً نادراً وليس ذلك فحسب، بل ويوجد فيها أيضاً 9 أنواع من الثدييات البرية، كما تعد المنطقة من ضمن 57 موقعاً لحماية الطيور، إذ يوجد بها 93 نوعاً تقريباً، فضلاً عن 13 نوعاً من الزواحف.


محمية برع الطبيعية هي إحدى مديريات محافظة الحديدة التي تقع على سفوح الجبال التهامية في أطراف المرتفعات الغربية لليمن. يمكن الوصول إليها بسهولة عبر طريق مرصوف بالإسفلت يمتد من المنصورية إلى السخنة ثم إلى المحمية وعن طريق آخر يصل المحمية ببلدة القطيع الواقعة على طريق صنعاء - الحديدة، تبعد عن مدينة الحديدة بـ (50كم) تقريباً.
تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 3915 هكتارا، مقسمة على ثلاث مناطق هي: منطقة القلب وتشغل مساحة 558 هكتار، ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر 300 – 800م، أما المنطقة الثانية فهي المنطقة العازلة، وتبلغ مساحتها حوالي 2211 هكتار، وترتفع عن سطح البحر من 800 – 2000م. أما المنطقة الثالثة فتشمل الأماكن المحيطة للتخوم وتقدر مساحتها بحوالي 1146 هكتار، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 500 – 1500م، ولهذا فإن مناخ المحمية متنوع، إلا انه يميل إلى الاعتدال.

حلم الزيارة
إنها وجهة سياحية متميزة تجمع بين الفائدة وبهجة السياحة البيئية تستهوي الزائرين للتمتع بالمشاهد الرائعة التي تسر العيون وتستنشق خلالها نسمات هواء منعشة، وتأخذ الألباب بما تحويه من مخزون طبيعي ومناظر خلابة تتنوع كلما توغلت داخل غاباتها وفي الجبال وبين الأشجار.
زيارة المحمية ظلت حلما لم تتح فرصة تحقيقه في أي من نزول سابق لمحدودية العمل والوقت. في لحظة، شاءت حكمة الله أن يتحقق الحلم. كنت حينها أقوم بتوثيق واستطلاع عن المبادرات المجتمعية في مديرية بيت الفقيه. فجأة اتصل بي مدير منطقة تهامة بمؤسسة بنيان التنموية، أ. أحمد هيج، موجها بالحضور إلى مدينة الحديدة. وهناك تم إعادة توجيه مساري لنفس الغرض، ولكن في مديرية برع.
من فوري، تواصلت بمنسق المديرية، إبراهيم حجر، الذي بدوره ربطني بكل من الفارسين "علي صالح (عزلة الجرن)، ونايف الشريف (عزلة بني أحمد)"، وعززهما بثالث هو "أبو أحمد" من أبناء المحمية.

مورد رئيسي
عن برع، وفي دردشة سريعة كانت مع الفارس التنموي، أ. علي صالح، أثناء صحبته خلال مسافة الطريق من مفرق السخنة إلى مركز عزلة الجرن لاستطلاع وتوثيق مبادرتين مجتمعيتين، علمت من خلاله أن أغلب السكان يعملون في الزراعة وبعضهم في تربية الماشية من جمال وأبقار وضآن وماعز، والقليل منهم يعمل في تربية النحل، ويتمركزون في جهة المحمية الطبيعية.
وأكثر ما تشتهر به برع زراعة البن. وبالطبع، الزراعة هنا في أغلبها مطرية، والمعروف عن الزراعة المطرية أنها متذبذبة، وأن خيرها يرتبط بانتظام هطول الأمطار. وخاصة إذا حصل جفاف في مرحلة النضوج، عندها يحتاج إلى رية تكميلية. أغلب المزارعين تحرم محاصيلهم هذه الرية، وبالتالي تقل جودة المنتج.
ويشير "الأستاذ علي" إلى أن هذا جانب من معاناة المزارع في برع، وهو الجانب الطارئ والحساس الذي يحتاج إلى تدخل مجتمعي- حكومي- استثماري وعاجل".
وتابع "الجانب الثاني، وهو الأهم، ألا جدوى أصلا، حتى إذا كان المزارع يمتلك غيلا وأنتج محصول عال الجودة، ومنتجه لا يزال يسوق بالطريقة البدائية، وعلى أيدي تجار يتلاعبون بالسوق وفق مزاجهم، ويزاحمون البن المحلي بالمنتج الخارجي، فلن يخرج من محصوله بفائدة تعيد إليه حتى بعض من كلفة المدخلات من مبيدات وأسمدة وأجور الحصاد.
مؤكدا "ولكي نستعيد مكانة البن، لن نحتاج سوى إلى قليل من التوعية بأهمية استعادة تلك المكانة، بل إني متأكد من أن الناس كلهم سيقتلعون شجرة القات، بمجرد معالجة ما يتعرض له البن من تدهور في القيمة التسويقية".
وأضاف "كما أن وجود جمعية تعمل على تنظيم مسارات الالتزامات والتعاقدات وفق آلية تضمن حركة انسيابية بين حلقات سلسلة قيمة منتظمة ومدروسة، وتتوفر خزانات وحواجز حصاد مياه الأمطار. خطوتان من خلالهما سيحصل المزارع على دخل مجزي. هنا، الناس سيزرعون بل ويتنافسون على تحسين الجودة وتستصلح الأراضي الصالبة وتبني مدرجات جديدة، ذلك أن الفائدة هي أكبر جاذب وأكبر محفز لأي مشروع".
ولفت إلى أن جهود فرسان التنمية من شباب المديرية بدأت خطوات حثيثة نحو رسم مسارات تشكيل اقتصاد مجتمعي مقاوم.
مبادرة في التعليم
توقفت السيارة، فقد وصلنا إلى مركز عزلة "الجرن" حيث تقع مدرسة النجاح الأساسية الثانوية (للبنات والبنين)، المدرسة التي قام المجتمع بتنفيذ المبادرة المجتمعية؛ تضمنت بناء دور ثالث في مبنى المدرسة ويتكون من ثلاثة فصول دراسية.
المبادرة، حسب افادة معلمي وطلاب ممن كانت تكتظ بهم فصول وساحة المدرسة، شكلت انفراجة كبيرة نحو توسيع القدرة الاستيعابية للمدرسة التي تعد مدرسة محورية يأتي إليها الطلاب والطالبات من مجموع قرى العزلة بأعداد كبيرة.
ويسرد الفارس التنموي وأحد معلمي المدرسة أ. علي صالح، تفاصيل حكاية رحلة البحث عن حل يرفع معاناة الطلاب والطالبات الذين كان معظمهم يدرس تحت الأشجار وفي فناء المسجد، ويتعرضون لموجات البرد القاسية ناهيك عن الحرمان من الجو المناسب لتحصيل العلوم والمعارف.
مشيرا إلى أن فكرة المبادرة بدأت على أساس أن يتم فتح باب المساهمة في بناء دور ثالث شعبي على الميسورين من أبناء العزلة. الفكرة حظيت باستحسان وتجاوب كبير من كل أبناء المنطقة، وتحولت إلى مبادرة مجتمعية واسعة لبناء دور كامل مكون من ثلاثة فصول وبسقف مسلح. الحمد لله، نجحت المبادرة بجهود وإمكانيات مجتمعية خالصة، ووفرت جزءا كبيرا من السعة الاستيعابية التي لاتزال تحتاج إلى فصول إضافية. وقدرت الكلفة بحوالي 7 ملايين ريال مع بعض المرافق الإضافية.
وفي إحدى تلك الفصول، سألنا مجموعة من الطلاب عما أضافته إليهم المبادرة، أكدوا أن أهم ما أضافته فصول المبادرة أنها وفرت سعة للفصل بين البنين والبنات، بحيث أصبح كل فريق يدرس براحته، كما أنها وفرت سعة للفصل بين الصفوف الدراسية.

وأخرى صحية
على صعيد آخر، اطلعنا "الأستاذ علي" على مبادرة مجتمعية، خلاصتها أن العزلة ظلت لعقود تعيش حرمان وجود وحدة صحية. مشيرا إلى أن جهة (تحتفظ بسرية إحسانها) أبدت استعدادها لبناء وحدة صحية متكاملة بشرط توفير المقر وتهيئة أرضيته بما يتناسب مع البناء، كون المنطقة جبلية ووعرة. عرضت الفكرة على المجتمع، ولقيت تجاوب من الجميع، وتم توفير وتسوية أرضية الوحدة الصحية بمبادرة مجتمعية خالصة، وبكلفة بلغت مليونا ريال، شملت شراء الأحجار والاسمنت وبناء جدران تسوية الأرضية.
فترة جفاف
عقب الانتهاء من توثيق المبادرتين، شاءت إرادة الله إلا أن نستكمل دردشتنا حول الزراعة، ولكن هذه المرة مع المزارع علي عبدالله البرعي، الذي استأذنه "أ. علي" في اصطحابي على متن سيارته إلى مفرق السخنة. فوافق مشكورا.
وأثناء المسافة فتحت باب الدردشة مع "الحاح علي"، فعلمت منه أنه يمتلك بعضا من المدرجات المعلقة في عرض جبل من جبال برع العالية فوق السحب.. سألته: ما الذي تزرعونه يا حاج في هذه المدرجات؟ أجاب: نزرع ذرة رفيعة غرب، زعر، حمراء، بيضاء، كما نزرع الفاصوليا والدجرة والكشد، ومن الفواكه نزرع عنب الفلفل، والرمان بالإضافة إلى بعض الخضروات، هذا إلى جانب ما نشتهر به في برع من زراعة لأجود أنواع البن كمحصول أساسي.
ماذا عن مصادر المياه للزراعة؟ برع مثلها مثل بقية المناطق الجبلية اليمنية تعتمد في الزراعة على الأمطار. وزراعتنا موسمية والبعض منا يستغل مياه العيون في سقي البن. لكن في الفترة الأخيرة، خاصة مع حصول فترة جفاف طويلة تعرضت لها البلاد قلًت معها نسبة المياه في الكثير من تلك العيون. هنا، توقف الناس عن استخدام هذه العيون في سقي البن، وخولت للشرب والاحتياج المنزلي.
هل يؤثر ذلك على زراعة البن؟ بالتأكيد، نحن نعتمد في زراعته على الأمطار بشكل أساسي، والبن، في حال حصل تأخر في موعد هطول الأمطار، يحتاج إلى ري تكميلي، وبصورة ملحة في مراحل النضوج النهائي للثمرة. هنا، تجد المزارع الذي لا تقع مزرعته على مجرى عين قوية ولا يملك حاجز أو برك يمكنه من خلالها عمل رية تكميلية تتعرض جودة محصوله للضعف، وتقل قيمته الشرائية في السوق. وبالتالي تحدث الخسارة. وهذا ما أضطر البعض إلى استبدال البن بالقات الذي بدأت زراعته تطغى على المدرجات بحكم انخفاض كلفة زراعته مقارنة بالبن، ويتحمل ظروف الجفاف وعوائده سريعة.

ومبادرة الطريق
وهناك، عند المفرق، حيث أودعت دراجتي النارية، أخذتها وانطلقت إلى السخنة، وتحديدا إلى مفرق الحمام، المكان يقف بانتظاري الفارس التنموي (نايف حسين الشريف من أبناء عزلة بني أحمد، ومعه أبو أحمد) وشخص ثالث، من هناك، وعلى متن دراجتين ناريتين، انطلقنا في طريق اسفلتي في اتجاه محمية برع. وعند حوالي 10 كم، توقفنا، فقد وصلنا إلى مفرق طريق رملي، هي الطريق التي بادر أهالي عزلة بني أحمد والمكونة من 8 قرى، يسكنها قرابة 2000 نسمة.
القرى- وحسب ما سمعناه من الفارس ومن بعض المبادرين- حرمت من وصول الطريق إليها لعقود بالإضافة إلى الحرمان من الخدمات الأساسية من المدارس والمراكز الصحية والمشاريع التي تلبي أبسط الاحتياجات المعيشية للناس من مياه وغيرها، وظل سكانها يعانون من قسوة الظروف الجغرافية الجبلية الوعرة التي تتكون منها المنطقة.
يجدون صعوبة ومشقة كبيرة في نقل أمتعتهم التي يضطرون إلى حملها على اكتاف الرجال والأطفال وفوق رؤوس النساء. أما مرضاهم وحالات الولادات المتعسرة، فإن عملية نقلها إلى أقرب طريق للسيارة رحلات طويلة وشاقة، يتم فيها ربط المريض أو المرأة المتعسرة على نعش ثم يحمل على اكتاف مجموعة من الرجال. الرحلة يتقاسم مسافاتها عدد من الرجال في غرم يسمى بالـ "جايش"، وهو عرف قائم على مقايضة المعروف والمنافع بين أهل القرى.
الشريف أوضح أنه وزملائه تلقوا دورة تدريبية في أساسيات العمل الطوعي والمبادرات المجتمعية، ومنها انطلقوا إلى توعية المجتمع بأهمية ودور المبادرات المجتمعية في سد فجوة الاحتياجات الخدمية في إطار تفعيل وتنمية المشاركة المجتمعية في شتى مجالات الحياة. كانت البداية مع شريان الحياة الطريق التي لاقت فكرة التحشيد إليها تجاوبا كبيرا من قبل الأهالي. بادروا إلى بذل كل متاح لديهم من جهد ومال وامكانيات، فبدأوا في شق 4 كم من الطريق البالغ طوله 9 كم بمعاولهم الزراعية وما يملكون من أدوات يدوية من مجارف ومفارس وزبر وصبير وخلافه. وبالتواصل مع السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة بادرت الوحدة التنفيذية لتمويل المشاريع والمبادرات المجتمعية بتوفير المعدة، وساندت السلطة المحلية بالمحافظة بـ 7 آلاف لتر ديزل بقيمة 3 ملايين و150 ألف ريال. وقامت المعدة يساندها مجهود المواطنين بشق حوالي 3 كم، وتبقى حوالي 2كم.
في تلك اللحظة، وكما رأينا، المعدة كانت متوقفة بسبب عطل مفاجئ وغير معلوم، والوحدة قائمة على عملية الصيانة. فيما يشير القائمون على المبادرة بأن ثمة احتياجات بدت تهدد المبادرة بالتوقف في حال عدم توفرها في مقدمتها نفقات معيشة ساق المعدة ومتطلب المعدة من الزيوت.

 

 


طباعة  

مواضيع ذات صلة